كثيرا ما رأيتُ الشيخ يبكي في أحوال مختلفة ومناسبات متعددة، في يوم عرفته رأيتُه، وعند ذكر أحوال المسلمين وذلهم وهوانهم وتسلط الأعداء عليهم، وفي المواعظ، وقد حدثني أخي الشيخ خالد السويح أنّ الشيخ رتبت له محاضرة فلما بدأ أحد الأخوة بالتقديم للمحاضرة –وكان هذا الأخ واعظا من الدرجة الأولى-بكلمات فيها تذكير ووعظ بكى الشيخ بكاء شديدا، ولم يلق تلك المحاضرة!.
- «رفع اليدين يوم عرفة من زوال الشمس إلى غروبها»:
وقد حججتُ مع شيخنا مرات عديدة فرأيته يرفع يديه من زوال الشمس إلى غروبها لا ينزل يديه إلاّ إلى ما لا بدَّ منه من شرب ماء أو قضاء حاجة، ولا أعلم أحدا يفعل هذا في هذه الأزمنة، والله أعلم.
وفي حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قال: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى. أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وبوَّب عليه بقوله: «باب رفع اليدين في الدعاء عند الوقوف بعرفة وإباحة رفع إحدى اليدين إذا احتاج الراكب إلى حفظ العنان أو الخطام بإحدى اليدين». صحيح ابن خزيمة (4/ 258).
وأذكرُ أنَّ سائلا –سائل مال-جاء إلى الشيخ يسأله في يوم عرفة فغضب عليه الشيخ وكاد أن يبكي وهو يقول له: في مثل هذا اليوم، وهذا المكان تسأل غير الله؟! وأخذ ينصحه ويوجهه، وقد ذكرني هذا الموقف موقفا مشابها لهذا وقع للفضيل بن عياض قال بشر بن الحارث: رأى فضيل بن عياض رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟!. تاريخ مدينة دمشق (48/ 401 (
- «العناية بتطبيق السنن في كل شيء»:
وعناية الشيخ بتطبيق السنن عظيمة وفي كل شيء: في لباسه، وفي أكله وشربه، وفي مشيه .. وغير ذلك.
- «العناية بأخبار المسلمين وتتبعها ومساعدتهم قدر المستطاع»:
للشيخ عناية كبيرة بأخبار المسلمين في أنحاء العالم، ويحرص على لقي العلماء منهم والسؤال عن أحوالهم وأحوال المسلمين، ويزور الشيخ في منزله كثير من العلماء وطلبة العلم من بلدان شتى.
- «العناية بمجالسة العلماء والاستفادة منهم»:
وقد كان الشيخ يكثر من زيارة العلماء وأذكر أنّ الشيخ كان يكثر من زيارة الشيخ: عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ: إسماعيل الأنصاري رحمه الله، والشيخ: عبد الله بن قعود-شفاه الله- وغيرهم.
ولا يزال الشيخ يقرأ على الشيخ: عبدالله بن عقيل في الفقه، والشيخ د. حسن حفظي في اللغة وعلومها.
- «عفة اللسان وعدم الخوض في تصنيف الناس وأعراضهم والنصح في ذلك»:
تقدم أنَّ مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا، وكذلك لا يسمح الشيخ لأحد أن يتكلم في شخص في غيبته أبدا، وترى الكراهية والغضب في وجه الشيخ إذا فعل أحد ذلك.
وأذكرُ أنَّ شخصا ذكر عند الشيخ مسألةً قالها أحد طلبة العلم، فقال أحد الحاضرين: هذه سمعنا منك يا شيخ قبل أن يُعرف فلان، فربما استفادها منك، فكره الشيخُ كلامه وقال –ما محصله- إنّ العلم رحم بين أهله، ولا ينبغي لطالب العلم أن يعود نفسه هذه الأخلاق، فينسب لنفسه المسائل والاختيارات، ويتهم الناس بأنهم سرقوا أفكاره وأقواله، وذكر أنَّ السلف رضوان الله عليهم يأتون بالمسائل العظيمة والفوائد النفيسة ولا يريدون أن تنسب إليهم خوفا على أنفسهم من الرياء والسمعة فكانوا من ذلك برآء لشدة إخلاصهم ومراقبتهم لربهم في أعمالهم وذكر قول الشافعي المشهور: «وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شيء منه أبدا فأوجر عليه ولا يحمدوني»، ثم بين أن القبول من الله وأنّ الله إذا أحب عبدا أوقع حبه في قلوب الناس كما في الحديث المشهور ... إلى آخر ما قال الشيخ، وبين ونصح جزاه الله خيرا.
وكلام الشيخ هذا ذكرني بمقولة جميلة قالها أحد الفضلاء وهي: «إننا نحن (نحتكر) أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا! إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين، ونحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح ـ ولو بعد مفارقتنا لوجه الأرض ـ زاداً للآخرين ورياً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان! (التجار) وحدهم هم الذين يحرصون على (العلامات التجارية) لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين!».
- «التجول في المدن والقرى للدعوة ونشر الخير ونفع المسلمين»:
وقد خصص الشيخ سيارة خاصة للدعوة ونشر لخير وإلقاء الدروس في المدن والقرى وقد مرّ الشيخ على غالب مدن المملكة للدعوة، وله في كل مدينة تلاميذ ومحبون يتشوقون إلى لقائه والاستفادة منه، والشيخ لم يسافر قط خارج السعودية؛ لأنه لا يملك جوازا بسبب الصورة.
- «الكرم والبذل على قدر الاستطاعة».
- «الحرص على المداومة على الأعمال الصالحة».
- «تواضع الشيخ الجم، وحسن أخلاقه، وسلامة صدره».
هذه بعض اللمحات العامة والسريعة عن منهج الشيخ العلمي والعلمي مما سنح لي في هذا المقام، ونشطتُ لذكره وبيانه، وهذا «ما عرفته عن شيخي المحدث عبد الله السعد» ولعل الله أن ييسر مقاما أتوسع فيه أكثر ليستفيد طالب العلم من سير العلماء وطلبة العلم المعاصرين ويعرف لهم منزلتهم وقدرهم.
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ شيخنا وأن يمد في عمره على عمل صالح، وأن يثبته على دينه، وأن يحفظه من فتنة القول والعمل، وأن يجنبه الحساد والوشاة وأهل الشر والفساد، وأن يصبره على ما أصابه من بلاء لا يكاد يسلم منه داع للحق!، وأن يعظم أجره، وأن يغفر له ولوالديه ولأهله ولجميع المسلمين.
¥