وقد تكلم الحافظ ابن رجب عن الترجيح بين أصحاب الطبقة الأولى إذا اختلفوا مع بعضهم، أو مع أصحاب الطبقة الثانية، ثم نقل بعد ذلك عن البرديجي قوله: «فأما أحاديث قتادة الذي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، فينظر في الحديث، فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر لم يُدفع، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً».
فقد نص على أن ما تفرد به شيخ من دون الطبقة الأولى وليس له شاهد ولا متابعة فهو منكر، أي مردود كما سيأتي مزيد بيان له في بحث (المنكر).
الأول: مخالفة واقعة في التفرد بجزء من الحديث:
وهذا يقع في الحديث الذي تعددت طرقه ورواياته، حيث ينفرد راوٍ من الرواة بشيء في الحديث لا يرويه غيره ممن روى أصل الحديث، بل يتفقون على خلاف روايته وعدم متابعته فيما رواه، وهذا في السند والمتن.
فالمخالفة في السند لها صور كثيرة:
(1) أن يخالف راوٍ فيروي الحديث موصولاً بينما يرويه غيره مرسلاً
(2) أن يرويه مرفوعاً من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويرويه غيره موقوفاً من كلام الصحابي
وسيأتي مثال هذين النوعين في بحث: (زيادة الثقة).
(3) أن يروى الحديث بسند معين، وينفرد أحد الرواة بزيادة راوٍ في السند لم يذكره غيره، وسيأتي مثاله في بحث: (المزيد في متصل الأسانيد).
(4) أن يكون الحديث معروفاً بروايته من طريق معينة، فينفرد أحد الرواة بطريق غير الطريق المعروفة والمشهورة لهذا الحديث.
مثاله: ما رواه أصحاب السنن من طريق جَرِيرٍ بْنِ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ فَيَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ فِى الْحَاجَةِ فَيَقُومُ مَعَهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى».
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثَابِتٍ، هُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِم.
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: وَهِمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِى هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِىَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَخَذَ رَجُلٌ بِيَدِ النَّبِىِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمَا زَالَ يُكَلِّمُهُ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ»
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْحَدِيثُ هُوَ هَذَا، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ رُبَّمَا يَهِمُ فِى الشَّىْءِ وَهُوَ صَدُوقٌ.
فهنا تفرد جرير بن حازم، وخالف غيره فروى بالسند المعروف المحفوظ متناً غير محفوظ ولا معروف عند أصحاب ثابت، أو من روى الحديث عن أنس.
(5) أن يقع الخلاف في راوي في سند الحديث، فيروي جميع الرواة عن شيخ ويتفقون عليه، بينما ينفرد أحد الرواة فيرويه عن شيخ آخر.
ومثاله: حديث الطبراني الذي ذكرناه حيث رواه إبراهيم بن زكريا عن حماد بن سلمة مخالفاً جميع الرواة الذين رووه عن ثابت بن حماد.
ـ[أبوعمر السلمي]ــــــــ[29 - 04 - 05, 11:37 م]ـ
أخي عبد المجيد أين مرجع هذا الكلام المنقول؟
ـ[عبد المجيد]ــــــــ[01 - 05 - 05, 08:58 ص]ـ
أخي أبو عمر بارك الله فيك
هذا جزء من بحث لم ينشر بعد ولكن أحببت أن أعرضه على الإخوة لتقييمه ولإبداء النصح حوله
والإخوة الأكارم يعلمون أن قضيتي المخالفة والتفرد من أدق قضايا الحديث
فمثل هذا الموضوع لاشك فيه فائدة للجميع
وجزاكم الله خيرا
ـ[ابوعبدالكريم]ــــــــ[03 - 05 - 05, 02:22 م]ـ
للشيخ اللاحم بحث في هذا الموضوع نشر في مجلة الحكمة وأظنه موجود ضمن كتب الملتقى المنشورة
ـ[عبدالسلام احمد محمد]ــــــــ[30 - 05 - 05, 02:27 ص]ـ
إن حال الرواي في روايته لأي حديث واحد من ثلاث:
المشاركة ,
المخالفة.
التفرد.
ارتبطت المشاركة على الدوام بالحديث المقبول , على اختلاف في الاصطلاح على هذه المشاركة , تبعا لاختلاف حال الراوي , فنجد ان الشيخين اخرجا لمن هو ضعيف مما وافق فيه الثقات متابعة , غير أن اسم الصحة شمل حديثهم , بينما جاء أهل المصطلح بالتقسيم الرباعي للحديث المقبول: الصحيح لذاته ولغيره والحسن لذاته ولغيره. أما مشاركة من هم في رتبة الترك فلا اعتبار لها , فاحتمال السرقة وراد في حديثهم. هذا حال المشاركة.
أم التفرد والمخالفة فإن النقاد في تناولهم لأحكامهما تتبعوا قرائن التعليل وصولا للحكم عليها. فالمخالفة والتفرد المقبولين في اطارهما العام إنما قبلا على اعتبار تعدد أوجه الرواية عن المخالف , وسعة رواية المتفرد بما يقبل تفرده.
وأما المخالفة المردودة فإن الخطأ والوهم هما المبنى الأساسي في ردها.
ومن هنا نخلص الى التفرد المردود والذي يبنى على أساس وهم صاحبه بإثبات حديث لم يثبت عن شيخه؟ وهنا تأتي دقة علاقته بالمخالفة فأساس رده إنما بني على أنه إنما يحمل مخالفة , ذلك أن النقاد قي ردهم لتفرد راو عن شيخه يعللون ذلك بقولهم: أين كبار أصحابه عن مثل هذا الحديث , وهذه هي المخالفة: اثبات لم يثبته الأثبات عن شيخه.
د. عبدالسلام أبوسمحة
¥