وربما وقع التردد من الإمام الواحد، فقد روى حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (10)، وتفرد به حرمي عن شعبة بهذا الإسناد، وسئل عنه أحمد مرة فأنكره على حرمي (11)، وسئل عنه مرة أخرى فقال أرجو أن يكون محفوظا (12).
## وفي رأيي أن موضوع التفرد من أدق قضايا نقد السنة، فهو مزلة قدم بالنسبة للناظر في الإسناد، يجب عليه فيه أن يكون متوازنا، فإنّ إهماله ضعف، والإسراف فيه ضعف أيضا، ولا شك أن الباحث في حاجة إلى ما ينيرالطريق له حين النظر في التفرد، وسأحاول ذلك بتخصيص المبحث التالي لضوابط التفرد عند النقاد.
الحواشي ========================================
(1) العلل ومعرفة الرجال (3/ 299)
(2) العلل ومعرفة الرجال (3/ 350)
(3) الكامل (6/ 2400)
(4) علل الحديث (1/ 268)
(5) ينظر مظاهر إهتمام الأئمة بالغرائب، مقدمة التحقيق لـ (نسخة يحيى بن معين) لعصام السناني ص 189 ـ 236
(6) الجامع لأخلاق الراوي (2/ 160)
(7) تاريخ بغداد (4/ 196)، سير أعلام النبلاء (12/ 169)
(8) علل المرّوذي ص 64
(9) تصذيب الكمال (24/ 14)
(10) أخرجه عبدالله بن أحمد في زياداته على المسند (3/ 279،278) وأبو يعلى (2909)، وابن عدي (3/ 1298)
(11) الضعفاء الكبير (1/ 270)
(12) مسائل أبي داود ص 340
ـ 4ـ
ا لمبحث الثاني
ضوابط النظر في تفرد الثقة ومن في حكمه
يوجد في كلام النقاد على أحاديث وقع فيها تفرد ما يمكن أن يستخلص منه ضوابط في قبول أو رد ما يتفرد به الثقة ومن في حكمه، ومن أول من وقفت على كلام له في تحرير ذلك وبيانه مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه فإنه قال: (حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث، أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا. وأمعن في ذلك على الموافقة لهم. فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه، قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك. قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره. فيروى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس. والله أعلم.) (1)
وما ذكره مسلم من قبول ما يتفرد به من أمعن في موافقة الثقات عن شيخه، مبني على أن الراوي قد لايستوعب ما عند شيخه، وإذا استوعبه فقد لا يحدث به كله، كما في قول أحمد (عند سعد بن إبراهيم شيء لم يسمعه يعقوب، كتاب عاصم بن محمد العمري). (2)
وسئل أحمد عن نوح بن يزيد، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، في حديث إبراهيم،فقال (نوح بن يزيد أحب إلى من يعقوب، روى نوح عن إبراهيم شيئا ليس عند يعقوب). (3)
وقال أحمد أيضا: (حدث عبد الرزاق عن معمر أحاديث لم يسمعها ابن المبارك وحدث ابن المبارك أيضا بشيء لم يسمعه عبد الرزاق). (4)
وسأل عبدالله بن أحمد أباه عن حديث للأعمش فأجابه، ثم قال أبو معاوية ببغداد ن وكان يحيى ربما فاته الشيء). (5)
ومن نظر في كلام النقاد على أصحاب الرواة المكثرين، كنافع، والزهري، وقتادة، وشعبة وغيرهم .. أدرك بسهولة تفاوتهم في مقدار ما يروونه عنهم، ويظهر ذك أيضا في رواية بعضهم عن بعض ما فاته عن الشيخ.
وإنما يستنكر بداهة أن يروي ثقة ليس من أصحاب الراوي المعروفين بالكثرة والتثبت فيه، فينفرد عن الجميع بشيء يرويه عنه.
ومن هذا الباب قول صالح بن محمد البغدادي الحافظ وقد سئل عن عبدالرحمن بن أبي الزناد (قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره، وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته كتاب (السبعة) عن أبيه، وقال أين كنا نحن من هذا). (6)
وروى قران بن تمام، عن أيمن بن نابل، عن قدامة بن العمري (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت يستلم الحجر بمحجنه) (7)، قال أبو حاتم (لم يرو يرو هذا الحديث عن أيمن إلا قران، ولا أراه محفوظا، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحديث؟). (8)
¥