تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال البخاري: (صدوق لكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك انه سمع عكرمة) (11)

وتعلق الترمذي برواية عمرو بن ابي عمرو، وقد أخرجه هو من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عمرو وذكر الترمذي ان محمد بن إسحاق رواه عن عمرو، فقال فيه (ملعون من عمل عمل قوم لوط) ولم يذكر القتل (12)

ونقل ابن حجر أن النسائي استنكر هذا الحديث (13)، ولم يذكر السبب.

فاتفق هؤلاء النقاد على ضعف الحديث ونكارته، ثم عزى أحمد ذلك إلى عكرمة، وابن معين إلى عمرو، وأراد البخاري تبرئتهما باحتمال أن يكون عمرو لم يسمع من عكرمة، فالعهدة على الواسطة الذي لم يذكر، وأما الترمذي فتعلق بمن دون عكرمة.

ومثله ما رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (قالوا يا رسول الله متى وجبت النبوة؟ ... ) قال الترمذي: (سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه)، ثم قال الترمذي: (وهو حديث غريب من حديث الوليد بن مسلم، رواه رجل واحد من أصحاب الوليد) (14)

فظاهر كلام الترمذي أنه يجعل العهدة على راويه عن الوليد بن مسلم، وهو عند الترمذي أبو بدر شجاع بن الوليد، وقد تقدم قريبا عن أحمد أن الخطأ من الأوزاعي.

وروى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبدالله (أن عمر بن الخطاب قال هششت فقبلت وأنا صائم ... ) الحديث (15)

قال أحمد عن هذا الحديث (هذا ريح، ليس من هذا بشيء) (16)

وقال النسائي بعد ان اخرجه: (هذا منكر، رواه بكير بن الأشج ـ وهو مأمون ـ عن عبد الملك ـ وقد روى عنه غير واحد ـ فلا أدري ممن هذا) (17)

وعبد الملك هذا قال فيه النسائي (ليس به بأس) (18)

فيلاحظ هنا أن النقاد يستنكرون الحديث، ويبقى بعد ذلك أمر غير مؤثر عندهم، وهو البحث في في عهدة الخطا والنكارة، وهذا يعطي دلالة على ان الحكم على الحديث سابق على الحكم على الحكم على درجات الرواة، فا لثاني فرع على الأول وليس ا لعكس.

وكان من المفترض أن يكون عمل المتاخرين ينصب على تأييد اقوال النقاد وتكميله، كأن يستنكر الناقد حديثا دون ان يذكر السبب، فيجتهد المتاخر في توجيه وبيان سبب النكارة وتحميل الخطأ، فيجتهد في الموازنة بين أقوالهم، واستبعاد ما يظر كونه مرجوحا.

فالاختلاف في عهدة النكارة في حديث (اللواط) الآنف الذكر يمكن للباحث أن يستبعد من الاحتمالات ما ذهب إليه الترمذي، فإن الحديث قد رواه جماعة عن عمرو بن ابي عمرو غير الدراوردي.

وكذلك في حديث ابي هريرة (متى كنت نبيا؟ ... ) الماضي قريبا، لم يتفرد به شجاع بن الوليد فقد رواه جماعة غيره عن الوليد بن مسلم.

وكذلك مما يمكن للمتأخر عمله ان ينظر في أحاديث وقع فيها تفرد ولم يجد للمتقدمين فيها كلاما ـ كما تقدم شرحه في المبحث الذي قبل هذا.

غير أن المتاخر حمَّل نفسه فوق طاقتها ـ والله لايكلف نفسا إلا وسعها ـ فانتصب للنقد مستقلا وسلك منهجا مغايرا ن بإدراك لذلك من بعضهم، ودون إدراك من البعض الآخر.

ومما يتعجب منه في عمل المتأخرين تناقضهم في موقفهم من اقوال النقاد إذ يعتمدون عليهم في درجات الرواة ويقلدونهم في ذلك ثم يدعونهم فيما يستنكرونه على هؤلاء الرواة، والقارىء يلاحظ ذلك في النص الواحد حين ينقلونه عن المتقدمين فحديث (اللواط) الآنف الذكر، وكذلك حديث عمرو بن أبي عمرو الآخر في (الواقع على بهيمة) ..

وبعض الرواة رواه عنهما حديثا واحدا ـ سلك فيه المتأخرون ضروبا من مخالفة أئمة النقد في المنهج، في الاتصال والانقطاع ن وفي قضيتنا هذه قضية التفرد، وفي الشد والاعتضاد بالطرق الأخرى، وغير ذلك (19)

وقد أشار السخاوي إلى هذا التناقض فإنه بعد أن ذكر منزلة أئمة النقد في الحكم على الأحاديث (قال): (وهو أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث ـ كابن خزيمة والاسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر ـ لا ينكر عليهم بل يشاركهم ويحذو حذوهم وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح، كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غيره فهو متعنّي) (20)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير