أما الذين قال فيهم البخاري " فيه نظر " وليسوا ممن ذُكر في التقريب فعددهم ثلاثة وثلاثون راوياً، ولمعرفة درجتهم اجتهدت في تلخيص حال كل منهم بحسب ما بلغني من أقوال العلماء فيهم، وبحسب ما رأيته من حديثهم، وكانت النتيجة شمول الضعف لهم جميعاً، وإن اختلفت عبارتي في حال كل منهم، فمنهم الضعيف، والضعيف جداً، ومنهم المجهول والمتروك، والحكم بضعفهم ليس تشدداً مني بل هو واقع حالهم، فإذا علمت أن خمسة عشر منهم لم يوثقهم أحدٌ البتة، وثمانية ذكرهم ابن حبان في ثقاته فقط مع تضعيف الأئمة لهم، زال ما يُتوهم من احتمال التشدد في التوثيق، وسأذكر بعض التراجم مختصرة ليكون القارئ على بينة من المنهج الذي سرت عليه في تلخيص حال كل منهم.
- إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس، قال الطبراني من ثقات المدنيين، وضعفه أبو حاتم والنسائي وابن الجارود والعقيلي وابن حبان وابن عدي والحاكم الكبير والدارقطني، وقلت عنه: ضعيف.
- صباح بن يحيى، قال أبو حاتم: شيخ، وضعفه ابن حبان وابن عدي وقال: شيعي، وكذا قال العقيلي، وقال الذهبي: متروك بل متهم، وقلت: ضعيف شيعي.
- حماد بن شعيب الحماني، لم يوثقه أحد، وضعفه يحيى وأبو داود وأبو حاتم والنسائي والساجي والعقيلي وابن حبان وابن عدي والذهبي، وقال أحمد: لا أدري كيف هو، وقلت: ضعيف.
الألفاظ الملحقة بقوله فيه نظر:
أما الألفاظ الملحقة بقوله فيه نظر، وهي قوله: فيه نظر في حديثه، فيه بعض النظر، فيه نظر ولا يتابع عليه، فيه نظر لم يصح حديثه، أو: لا يصح حديثه، ليس بالقوي وفيه نظر ولا يصح حديثه، فيه نظر لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض، عنده مناكير وفيه نظر، ليس بالقوي وفيه نظر ولا يصح حديثه، وقد بلغت التراجم فيها تسعاً، والضعف بين على أصحابها، وأحسنهم حالاً من قال فيه ابن حجر: صدوق كثير الخطأ، وهذه تراجم موجزة لبعضهم:
1. إبراهيم بن الأسود الكناني، ويقال له: إبراهيم بن عبد الله بن أبي الأسود، قال البخاري: فيه نظر في حديثه، وذكره العقيلي ناقلاً فيه قول البخاري،وقال ابن عدي: ليس بالمعروف، وهو عزيز الحديث جداً، وإنما يذكر له عن ابن أبي نجيح مقطعات، وأرجو أنه لا بأس به، وقال الأزدي ضعيف لا يحتج به، وقال ابن الجارود: فيه نظر، وكذا قال الذهبي.
قلت: لم يذكروا أحداً ممن روى عنه، كما لم يذكروا له شيئاً من الحديث، ولذا أراه مجهولاً.
2. اسماعيل بن عبد الرحمن، قال البخاري: فيه نظر، لا يتابع فيه، قلت: نسبه بعضهم: الأزدي أو الأسدي، قال الحافظ: إذا قرأت الأسدي بسكون السين انتفى التصحيف، و قيل: هو الأودي.
روى عنه أبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأبار وحده، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: يعرف بحديث الحمامات، وقال الأزدي منكر الحديث، وذكره الذهبي في المغني وقال: حديثه في الحمامات لا يثبت.
أما حديثه هذا فقد ذكر طرفه الأول البخاري، ولفظه عند العقيلي: عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أول من دخل الحمام وصنعت له النورة سليمان بن داود، فلما دخله فوجد غمّه وحرّه قال: أوه من عذاب الله، أوّآه قبل أن يكون أوّآه، ثم أوّآه.
قلت: هذا الراوي ليس فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات، ولم يرو عنه إلا واحد، وتفرد بهذا الحديث الذي لا يعرف إلا به، فهو ضعيف.
3. أحمد بن الحارث الغساني، قال البخاري: فيه بعض النظر، ونقل العقيلي وابن عدي عن البخاري قوله: فيه نظر، وهذا لم يوثقه أحد، وضعفه جماعة، بل قال أبو حاتم: متروك الحديث، قلت: متروك.
4. اسماعيل بن مختار، قال البخاري: فيه نظر لم يصح حديثه، وهذا ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال أبو حاتم: شيخ، وجهّله ابن معين والذهبي، وضعفه العقيلي وابن عدي.قلت: مجهول.
5. بكير بن مسمار، قال البخاري: فيه بعض النظر، وقد فصلت القول في ترجمته، وانتهيت إلى أن الصحيح أنهما اثنان – كما صنع ابن حبان حيث فرق بينهما - أحدهما ثقة، والآخر ضعيف، جعلهما البخاري واحداً، ولعله يعني بقوله " فيه نظر لم يصح حديثه " الضعيفَ منها، والله أعلم.
6. سلمة بن الفضل الأبرش، قال البخاري: عند مناكير، وفيه نظر، وهذا وثقه ابن سعد ويحيى وأبو داود، وقال أحمد: لا أعلم إلا خيراً ..... ، وضعفه جماعة منهم: ابن المديني، وإسحاق، وأبو زرعة، والنسائي، وقال الحافظ: صدوق كثير الخطأ.
7. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، قال البخاري: فيه نظر لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض، وهذا ذكره ابن حبان في ثقاته، وضعفه جماعة، وقال الحافظ: مقبول.
8. عبيد بن عبد الرحمن البصري، قال: فيه بعض النظر، وهذا ذكره ابن حبان في ثقاته، وجهله أبو حاتم والذهبي، قلت: مجهول.
9. قطبة بن العلاء بن المنهال، قال فيه: ليس بالقوي، وفيه نظر ن ولا يصح حديثه، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي: أرجو انه لا بأس به، وضعفه أبو زرعة والنسائي والعقيلي وابن حبان والذهبي، قلت: ضعيف.
مما تقدم من التراجم – الموجزة هنا وهي مفصلة في البحث – تبين الضعف في أكثرها، وأحسنهم سلمة الأبرش الذي قال فيه الحافظ: صدوق كثير الخطأ، وعبد الله بن محمد الأنصاري، مقبول، والبقية بين ضعيف ومجهول، وهم في عموم الأحوال لا يبعدون عن الذين قال عنهم: فيه نظر، وإن كان قوله " فيه بعض النظر " يشعر بخفة ضعفهم، فأحدهم – وهو بكير بن مسمار- مختلف فيه، والثاني عبيد بن عبد الرحمن مجهول، والثالث أحمد بن الحارث الغساني شديد الضعف، أما سلمة فرغم قوله المتقدم فيه: عند مناكير، وفيه نظر، وله قول آخر فيه هو: ووهّنه علي " إلا أنه خالف فيه جماعة وثقوه.
وإلى لقاء قادم نقارن فيه بين قول البخاري في هؤلاء الرواة وبين أقوال الحافظ ابن حجر، إذ كيف يصفهم بقوله: صدوق مع أنهم ممن قال فيهم البخاري: فيه نظر.
¥