تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طرق التحمل والأداء بين مسطور الكتب ومفرزات العلم الحديث]

ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[17 - 05 - 05, 11:37 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سرت مقولة قديمة وهي أنَّ الحديث قد نضج واحترق، وأنَّ ما كان بهذه المثابة فلا يمكن الزيادة عليه، لا سيما وأن العلماء على مر العصور قد تداولوا هذا الشأن ونقحوا الحديث وهذبوا علومه، وما على الآتي بعدهم إلا التسليم والإذعان. وهذه مقولة خاطئة إذ إنَّ علوم الحديث شهدت على مر الأزمان تجديداً وإضافة في أكثر من جانب، مع الاعتراف للسابق بالفضل ونيل شرف التقعيد والتأصيل لهذا العلم، والمتتبع لتطور علم المصطلح يلحظ هذا جلياً، فإذا بدأنا بكتاب المحدث الفاصل للرامهرمزي، ثم علوم الحديث للحاكم فكتب الخطيب، نجد بينها اختلافاً وإضافات للمتأخر على المتقدم، وهذه طبيعة الأشياء إذ إنَّ المتأخر من شأنه أن يلحظ الخطأ أو النقص فيسدد ويكمل، ولهذا عندما جاء ابن الصلاح نراه قد جمع وهذب وأضاف على ما كتبه الرامهرمزي، والحاكم، والخطيب، ومن جاء بعده قيل إنهم عالة عليه، وهذا إن كان يصح من حيث اعتماد كتابه وجعله أساساً إلا أنه غير صحيح فيما يتعلق بنوعية الكتابات التي جاءت بعده والإضافات التي أضيفت على كتابه، وكتب ابن حجر كالنكت وشرح النخبة شاهد على ذلك، بل إن كتاب البلقيني ((محاسن الاصطلاح)) فيه استدراك لأنواع من علوم الحديث لم يذكرها ولا تطرق لها ابن الصلاح ومن جاء بعده وكذا فعل السيوطي في كتابه ((تدريب الراوي)).

وهذا كله يبين أن الحاجة ماسة في هذه الأزمان لمواكبة التطور العلمي الهائل والتماس نصيب العلم من خلاله وبخاصة علم الحديث الشريف، ومن هذا المنطلق وجدت أنَّ هناك ما يمكن إضافته في هذا الصدد، وأنا أقوم بذلك عملياً منذ سنوات أثناء تدريسي لمادة علوم الحديث، وهذا الجانب الذي أرى أنه يمكن أن يدخل كتب المصطلح في جانبين:

أولاً: طرق التحمل وصيغ الأداء، إذ إنَّ المطالع لكتب الحديث والمصطلح يطالع حتى في كتب المعاصرين، أن طرق التحمل هي السماع والقراءة والإجازة والمناولة والإعلام والمكاتبة والوجادة والوصية، ويشرح وكأنه يتكلم في القرن الرابع أو الخامس، وينسى أنَّ هناك طرقاً أخرى جدَّت في هذا الباب، كالسماع لكن ليس من الشيخ مباشرة وإنَّما عبر وسائل أخرى كالشريط المسموع مثلاً بعد معرفة صوت الشيخ والتأكد منه، ومن خلال مكبر الصوت لمن يقيم خارج مكان التدريس، كالمرأة في بيتها مثلاً وتسمع هذا الدرس أو تلك المحاضرة، أو من خلال الاتصال بالشيخ من خلال الهاتف، أو عبر الخطاب المرئي؛ كالفيديو، أو التلفاز من خلال المحطات التلفزية التي تهتم بالعلوم الدينية،بل إن بعض القنوات التلفزيونية في هذا العصر قد افتتحت من خلال برامجها إكاديمية شرعية، تلقى من خلالها الدروس وتُعطى المحاضرات، ويتم التسجيل لها والامتحان في المواد التي تم تحملها من خلال القناة التلفزيونية، أو المواقع المتخصصة.

وقد يقول قائل: إن هذا هو السماع بعينه، فنقول: نعم إنَّ هذا سماع لكن لم يتحقق اللقاء فيه فهو نوع جديد لم يحصل قديماً ولم يتخيله القدماء، ثم من طرق التحمل ما تحمله شبكة الإنترنت من علوم ومعلومات، بل ومكاتبات ومراسلات، وإن شئتم فتحديث وإجازات، فنحن في هذا الملتقى نكتب من خلال أسماء معروفة، حتى الأسماء المستعارة غالب أصحابها معروفون، ألا يجوز لواحد أن يتلقى العلم ويجمع الفوائد، ويعزو لهذا الموقع بقلم هذا الكاتب أو ذاك؟ بل وتحوز الرواية إن شاء من خلال هذه الشبكة، ففي الغرب وفي الجامعات المتقدمة يتم التعليم عبر الإنترنت، وحتى الإشراف على الرسائل الجامعية، وذلك من خلال التقاء الطالب بإستاذه صوتاً وصورة، ولقد تناقشت مرة مع أحد الأخوة في طريقة الإشراف هذه وعارضها بحجة أنَّ اللقاء المباشر مع الأستاذ يتيح للطالب متابعة حتى تقاطيع وجه أستاذه، وانفعالاته، وهذا قد يكون نافعاً له أكثر من مجرد اللقاء عبر الرسائل أو الاتصالات، فقلت له: إن اللقاء عبر الإنترنت يتيح له هذا، حيث إنَّ اللقاء يكون بالصوت والصورة، وله أن يتابع ما يشاء.

ولهذا إن نقل أحدٌ عن أحد المشايخ من خلال هذا الموقع أو سواه ألا يكون نقله صحيحاً؟ بل لو وثَّق من خلال ما يُكتب في هذا الموقع في الكتابات والرسائل لكان توثيقاً صحيحاً وللزمنا أن نقبله ولا نرده، وبخاصة أنه دخل إلى ميدان التوثيق سواء بالكتابات، أو الرسائل الجامعية، الإشارة إلى الموسوعات الخديثية والفقهية والمتعلقة بعلوم القرآن والتفسير.

ثانياً: إذا اعتمدنا هذه الطرق الجديدة كطرق للتحمل فينبغي أن نسلط عليها النقد، ونمارس ما كان يمارسه أسلافنا في نقدهم للرجال ولكنه نقد للمواقع والقنوات، فتجد الآن الموقع الموثوق، والقناة المأمونة، ونجد الموقع الفاجر ومواقع المبتدعة والمنحرفين عن الطريق الصحيح والمشككين، وهذا بحاجة لأهل العلم والفهم أن يبينوا للناس ذلك، وهذا ما ينبغي أن نجهر به لا سيما إن رأينا من اغتر بمثل هؤلاء، وهناك الكذبة والمحتالين، ألا ترون أننا إن قمنا بهذا الواجب فنحن نحيي سنة أسلافنا لكن ليس بنقد الرجال فحسب، بل بنقد المواقع والمحطات، وبالتالي نقد الفرق والهيئآت. وأكثر من ذلك نقد الوكالات أعني وكالات الأنباء لأنها من مصادر التحمل في هذا العصر، فهناك وكالات مأمونة، وهناك وكالات مغرضة، بل وتجاهر بالعداوة ونشر الأكاذيب وبث الشبهات.

ويمكن لقائل أن يقول إن النقد هو نوع من الغيبة، فنقول إنها غيبة مباحة بل ومطلوبة، فقد كان الشعبي يقول تعال نغتاب في الله، ونقد الرجال وتمحيصهم مطلوب في كل فترة وليس في مرحلة الرواية فقط كما أشكل على البعض، بل إنَّ الجرح والتعديل مطلوب في كل عصر وليس من الغيبة في شيء، لوجود الكذبة والأفاقين والمبتدعة والمنحرفين، والمتعيشين بالدين في كل زمان، فلا حرج على من سلط النقد والجرح والتعديل لهذا الموقع أو ذالك، ولهذا الكتاب والكاتب إن كان القصد الخير والإصلاح.

والله الموفق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير