في البداية نحب أن نوضح أن مشكلة الجمع والتفريق في هذا الموضع شائكة جداً، وأن الخيار الذي اخترناه في هذا الموضع قد لا نستطيع أن نسوق له من الحجج والشواهد القوية ما يجعله مقبولاً لكل أحد، ولكننا نزعم أنها كافية بالنسبة لنا ـ مع ما عايشناه من النصوص الحديثية والروايات ـ وأقوال الأئمة المتقدمين وصنيعهم مثل البخاري وأبي حاتم، ومن بعدهم ابن حبان، ومن المتأخرين (ابن ماكولا)، وأما سائر الأئمة المتأخرين فقد أجمعوا أمرهم على خيار واحد رغم تناقض بعضهم في تصرفه - ولا نقول في أقواله - في بعض مصنفاته، ورغم أننا نعتبر أن الجمع مقدم على التفريق ما لم تكن مبررات التفريق قوية، فإننا نرجو أن تكون المبررات التي نسوقها للتفريق في هذا الموضع تكون مقنعة ولسنا نزعم أنها قوية بالدرجة المرجوة، لقلة مرويات الراوي أو الرواة موضع هذا البحث.
كما أن صياغة هذا البحث على وجه الخصوص بالشكل المطلوب من حيث سهولة السرد والتناول كانت من الصعوبة بمكان، ونرجو فقط أن تكون المادة العلمية وأوجه الاستدلال بالدرجة المناسبة من حيث الوضوح، لأن هذا هو الأهم في هذا المقام.
وإليك أقوال بعض من فرقوا صراحة، ويلي ذلك التفاصيل:
أول من صرح بالتفريق وفق ما وقع لنا، هو ابن حبان حيث قال في المجروحين (2/ 24):
[(أبو وائل القاص اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني) وليس هو (عبد الله بن بحير بن ريسان) ذاك ثقة، وهذا يروي عن عروة بن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني العجائب التي كأنها معمولة لا يجوز الاحتجاج به]
وقال ابن ماكولا في الإكمال (1/ 201):
[وعبدالله بن عيسى بن بحير روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
وذكر الخطيب في كتاب التلخيص عبدالله بن بحير بن ريسان الحميري حدث عن محمد بن أبي محمد روى حديثه سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد
ورواه غيره عن عبدالرزاق عن عبدالله بن بحير لم يذكر بينهما معمرا
هذا منتهى كلامه وأنا أحسبه عبدالله بن عيسى بن بحير نسب إلى جده والله أعلم بالصواب]
انتهى كلام ابن ماكولا.
ملحوظة مهمة:
قد روى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان قال أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إن أرضا عندنا يقال لها أرض أبين.
فكيف يروي عبد الرزاق عن رجل (هو عبد الله بن بحير بن ريسان) يروي شيخه معمر عن ابنه (يحيى)؟
وكيف يروي عبد الرزاق عن رجل (هو عبد الله بن بحير بن ريسان) يروي هو نفسه ـ أي عبد الرزاق ـ عن شيخه معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال جاء بحير بن ريسان إلى ابن عباس.
الإنصاف ـ فيما نظن ـ يقتضي التفرقة بين (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي هذا هو اسمه فعلا، وبين (عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان) الذي قد ينسب إلى جده كما قال ابن ماكولا، والله أعلم.
وقد روى عبد الرزاق كما في التاريخ الكبير (5/ 123): قال أخبرنا [عبد الله] بن عيسى بن بحير هو بن ريسان، وقال في الموضع (5/ 163): [عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان سمع بن طاوس روى عنه عبد الرزاق].
وفي الثقات لابن حبان (7/ 401): محمد بن أبي محمد يروى عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجوا قبل أن لا تحجوا روى عبد الرزاق عن عبد الله بن بحير بن ريسان الصنعاني عنه وهذا خبر باطل وأبو محمد لا يدرى من هو.
وفي الثقات أيضا (8/ 331):
عبد الله بن بحير بن ريسان من أهل اليمن يروى عن ابن طاوس روى عنه عبد الرزاق
وههنا سؤال مهم: (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يروي معمر عن ابنه (يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان) هل كانت له رواية؟ وأين هي؟
إننا نزعم أنه إذا صح أن (عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان) هو (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يرد في الأسانيد القليلة والتي هي من رواية عبد الرزاق عنه [وهو ما أعتقده أنا أنهما واحد وأنهما - أي الصورتان - هما المقصودتان برواية عبد الرزاق، ليس يروي عن غيرهما ـ إلا ما قد يكون يرويه عن عبد الله بن بحير عن عبد الرحمن بن يزيد فيكون عبد الرزاق متفقا مع إبراهيم بن خالد الصنعاني في شيخه المذكور والذي ليس هو بابن ريسان كما سيأتي ـ]، نقول: إذا صح ذلك فإن الشك يتطرق إلى كون هناك راويا - ولا نقول شخصا - باسم [عبد الله بن بحير بن ريسان]،
¥