قلت: ولقد ذكره ابن حبان في الثقات، ولكنه لم يتبين له، فقد وثقه على الوهم وروى له في صحيحه، فيكون هذا الراوي ممن وثقه وجرحه في ذات الآن فينضاف إلى العدد الذين تم إحصاؤهم ممن هذه حاله، وهذا الأمر أشار إليه المنذري في الترغيب: 1/ 306 عندما روى حديثاً عن مسروق رضي الله عنه قال: قال عبد الله: آكل الربا وموكله وشاهداه إذا علماه والواشمة والمؤتشمة ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. وقال عقبه: رواه ابن خزيمة في صحيحه واللفظ له، ورواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن الحارث الأعور عن ابن مسعود رضي الله عنه:لاوي الصدقة: هو المماطل بها الممتنع من أدائها.
والحديث عند ابن حبان في صحيحه: 8/ 44: رقم 3252 قال: أخبرنا الفضل بن الحباب قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي قال: أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث بن عبد الله أن ابن مسعود قال: ((آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه إذا علموا به والواشمة والمستوشمة للحسن ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة)). فهذا الحديث من رواية عبد الله بن مرة عن الحارث عن ابن مسعود، والحارث هو الحارث الأعور، وكأنه لم يتبين لابن حبان من هو هذا الحارث فذكره هكذا في الثقات أيضاَ فقال: (الثقات: 4/ 129): 2134 الحارث بن عبد الله كوفى يروى عن بن مسعود روى عنه عمرو بن مرة.
فإن قيل لماذا ألصقنا هذا بابن حبان وهو لم يصرح بأنه هو؟ فيقال: إن هذا من أوهام التفريق التي وجدنا منها في كتاب ابن حبان جملة وافرة، فيذكر الرجل أحيناً مرتين ظناً منه أنهما واحد، ولقد تكفل الأخ الفاضل الدارقطني بتتبع هذا اللون عند ابن حبان، وقد يذكر الرجل في الضعفاء ويذكره في الثقات متوهماً أنهما أكثر من واحد، وهذا من أسباب ورود الرجل في الثقات والمجروحين، ومترجمنا من هذا الصنف، ولا يعفي الوهم ابن حبان من تبعة ما يترتب على هذا الوهم.
وإن قيل: ما الذي يجعلنا نجزم أن هذا من الوهم، فلعل الحارث رجل آخر فنكون قد حملنا ابن حبان عليه رحمة الله ما لا يحتمل؟
فأقول الذي جعلنا نذهب إلى هذا ما وجدناه عند غيره ممن هم أقدم زماناً وأرسخ قدماً مصرحين بأن الحارث هو الحارث الأعور، ومن ذلك:
ما رواه النسائي في السنن الكبرى للنسائي: 3/ 326: رقم 5537 أخبرنا بشر بن خالد العسكري قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن سليمان هو الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث الأعور عن عبد الله قال: آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا والواشمة والمستوشمة للحسن ولاوي الصدقة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ولم يذكر المحلل والمحلل له المتعة.
وكما في مسند الشاشي: 2/ 279: الحارث بن عبد الله عن عبد الله حدثنا عيسى بن أحمد العسقلانى أنا النضر أنا شعبة عن سليمان قال سمعت عبد الله بن مرة عن الحارث الهمدانى الأعور قال عبد الله: آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك والواشمة والمتوشمة للحسن ولاوي الصدقة والمرتد أعرابية بعد هجرة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
والطيالسي في مسنده: 53: 401 حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن حازم عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث الأعور عن عبد الله قال:إن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والواشمة والمستوشمة للحسن والمستحل له ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد يوم القيامة.
وكذا عند الدارقطني في العلل: 5/ 45: وسئل عن حديث الحارث بن عبد الله الأعور عن ابن مسعود قال إن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده والواشمة والمستوشمة ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم؟
فقال: يرويه الأعمش واختلف عنه فرواه أبو معاوية ووكيع ويحيى القطان وعبد الله بن نمير وحفص بن غياث وجرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن عبد الله.
إذاً فصنيع المنذري رحمه الله صواب، وعرف أن الرجل هو الحارث، وإن كان ابن حجر قد ذكر هذا في ترجمة الحارث من التهذيب لكنه لم يجزم، وإن كان لم يصوب فعلابن حبان في إخراج هذا الحديث في الصحيح وترجمته مع الثقات.
والخلاصة: أن الحارث رجلٌ ضعيف بل ضعيف جداً، وذكره في الثقات لا معنى له، وإن كان يؤخذ على ابن حبان أمرٌ في هذا الشأن فإنما يؤخذ عليه وهمه فيه وذكره في الثقات، ورواية حديث له ن بالرغم من أنه ذكره في المجروحين، وذكره أنه من الغالين في التشيع، ونقل تكذيب الشعبي وغيره له، والجمهور والغالب على تضعيفه، ومنهم ابن حبان أيضاًَ، ولهذا فهو بعيد من الموثقين، بالرغم من جهود الشيخ عبد العزيز الغماري يرحمه الله في توثيقه ومحاولة جعله من أصحاب الدرجة العليا من القثقات لأنه لم يأت بما يدفع أقوال مجرحيه ومكذبيه، وحاول أن يجعل تكذيب الشعبي له من قبيل كلام الأقران، ولكن لم يأت بما يدفع أقوال أقرانه الآخرين وأفعالهم التي تقتضي عدم قبولهم لهذا الراوي، بل وأقوال كبار علماء هذا الشأن كالبخاري ومسلم، وابن المديني، وأبوحاتم، وأبو زرعة، وأبو خيثمة وابن مهدي، ولهذا فقول من اتهمه أو ضعفه تضعيفاً شديداً هو المعتمد والله أعلم.
يتبع إن شاء الله تعالى ................
¥