والذي يظهر لي -والله أعلم – بعد النظر في كلام الأئمة فيه أنه ثقة، وأما من ضعفه فذلك من جهة ما رواه عن أبيه عن جده، كما قاله غير واحد من الأئمة. فقد قال يحيى بن معين: إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فهو كتاب، فمن هاهنا جاء ضعفه. وفي موضع آخر: بلي بكتاب أبيه عن جده وهو ثقة. وقال أبو زرعة:روى عنه الثقات، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده، وهو ثقة في نفسه. وقال ابن عدي: هو في نفسه ثقة، إلا إذا روى عن أبيه عن جده يكون مرسلاً.
وقال ابن حبان: إذا روى عن طاووس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه فهو ثقة يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة، فلا يجوز عندي الاحتجاج بذلك.
وقال ابن حجر في التهذيب: عمرو بن شعيب ضعفه ناس مطلقاً، ووثقه الجمهور، وضعف بعضهم روايته عن أبيه عن جده حسب، ومن ضعفه مطلقاً فمحمول على روايته عن أبيه عن جده.
وقال في طبقات المدلسين: تابعي صغير مشهور مختلف فيه والأكثر على أنه صدوق في نفسه، وحديثه عن غير أبيه عن جده قوي.
فالراجح في الرجل –والله أعلم- أنه ثقة.
المبحث الثاني: في حكم الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
أختلف الأئمة في حكم الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده على ثلاثة أقوال.
القول الأول: أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحة، وقال به من الأئمة أحمد بن حنبل وابن معين وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه والحميدي وأبو عبيد والبخاري والترمذي وأحمد بن سعيد الدارمي ويعقوب بن شيبة والحاكم وابن عبد البر والبيهقي، وغيرهم.
قال محمد بن علي الجوزجاني الورّاق: قلت لأحمد بن حنبل: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئاً؟ قال: يقول: حدثني أبي. قلت: فأبوه سمع من عبدالله بن عمرو؟ قال: نعم، أراه قد سمع منه. وسئل عنه أيضاً فقال: أنا أكتب حديثه، وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء، ومالك يروي عن رجل عنه. وقال علي بن المديني: عمرو بن شعيب قد سمع أبوه شعيب من جده عبدالله بن عمرو، وعمرو بن شعيب عندنا ثقة وكتابه صحيح.
وقال البخاري: رأيت احمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه والحميدي وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: من الناس بعدهم. فقيل له إن من تكلم فيه يقول ماذا؟ قال: يقولون إن عمرو بن شعيب أكثر أو نحو هذا. وقال مرة: أجتمع علي بن المديني وابن معين وأحمد وأبو خيثمة، وشيوخ من أهل العلم فتذاكروا حديث عمرو بين شعيب فثبتوه، وذكروا أنه حجة.
وقال إسحاق بن راهويه:إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر.
وقال الترمذي في السنن (3/ 33) (2/ 140):وشعيب قد سمع من جده عبد الله بن عمرو.ومن ضعفه فإنما ضعفه من قبل أنه يحدث من صحيفة جده عبد الله بن عمرو، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده، وأما أكثر أهل الحديث فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب فيثبتونه، منهم أحمد وإسحاق وغيرهما.اهـ
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: صحَّ سماع عمرو من أبيه شعيب، وصحَّ سماع شعيب من جده عبدالله.
وتقدم قول أحمد بن سعيد الدارمي، ويعقوب بن شيبة في عمرو بن شعيب وأن حديثه صحيح، واحتجاج الأئمة بحديثه، وأن الأحاديث التي أنكروها من حديثه، إنما هي لقوم ضعفاء رووها عنه.
وقال الحاكم في المستدرك (2/ 65): قد أكثرت في هذا الكتاب الحجج في تصحيح روايات عمرو بن شعيب، إذا كان الراوي عنه ثقة. وكنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو فلم أصل إليها إلا هذا الوقت. ثم ساق بسنده من طريق الدارقطني عن عبدالله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه، ما يدل على صحة سماع شعيب من جده عبدالله بن عمرو. وذلك في قصة الرجل الذي جاء إلى عبدالله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة؟، فأشار عبدالله بن عمرو إلى ابن عمر وابن عباس، فذهب الرجل يسألهما ومعه شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو يدله عليهما. فذكر الحديث ().
ثم قال الحاكم: هذا حديث رواته ثقات حفاظ، وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد عن جده عبدالله بن عمرو. ووافقه الذهبي.
¥