تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج ـ التحقيق في أحاديث التعليق (8) لابن الجوزي (ت 597 هـ)، وهو تخريج لأحاديث كتاب أبي يعلى الفراء (ت 458 هـ) في الخلاف العالي. ولا أعرف كتاباً مطبوعاً متداولاً في تخريج أحاديث المذهب الحنبلي ـ على وجه الخصوص ـ إلا (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل) (9) للشيخ ناصر الدين الألباني، وهو تخريج لكتاب (منار السبيل في شرح الدليل) لإبراهيم بن ضويان الحنبلي (ت 1353هـ).

د ـ لا أعرف لمتقدمي المالكية، أو متأخريهم كتاباً مخطوطاً، أو مطبوعاً في تخريج أحاديث فقه المذهب، ولعل المعاصرين استشعروا هذا النقص في فقه المالكية، فتداركوه بتخريج بعض الكتب، وفي طليعتها: (المدونة لسحنون) خرّج أحاديثها الدكتور الطاهر محمد الدرديري (10).

وما زالت الحاجة ماسّة كذلك إلى تعقّب أدلة المذاهب بالنقد والتمحيص والتخريج، وفي ذلك خدمة جليلة للسنة أولاً، بالتمييز بين صحيحها وسقيمها، وللمذاهب الفقهية ثانياً، ببيان متعلّق فروعها، ومأخذ أقوالها.

بيد أن التصدّر لتخريج أحاديث فقه المذاهب يحتاج إلى ضابطين: علمي، وخلقي. أما الأول: فمرجعه إلى الكفاية العلمية التي تتحقق بحفظ المخرِّج، وعلمه بالاصطلاح وعلل الحديث، وأحوال الرواة، مع جَلَد على البحث، وصبر على الاستقراء. وأما الثاني: فيرجع إلى ديانة المخرِّج وتقواه؛ ذلك أن من المحدثين طائفة زُيّن لها الضلال على الهدى؛ فتلاعبت بالتصحيح والتضعيف نصرة للمذهب أو البدعة، وهؤلاء لا تُعتمد تخريجاتهم إلا فيما تبيّن فيه إنصافهم، وتجرّدهم عن الهوى، ونعوذ بالله من قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وعلم لا ينتفع به.

3 ـ بين نقد المتن ونقد السند: قسّم الشيخ طاهر الجزائري (أهل الحديث) إلى ثلاث طوائف:

أ ـ طائفة تقصر نظرها على الإسناد؛ فإذا كان خِلْواً مما يقدح في اتصاله وثقة رواته: حُكم بصحته دون النظر إلى متنه، مع أن القاعدة عند أهل الصنعة: صحة الإسناد لا يلزم منها صحة المتن.

ب ـ طائفة قصرت نظرها على المتن؛ فإن وافق ذوقها ومنحاها العقلي حكمت بصحته، وإن كان في الإسناد علة قادحة توجب الرد، مع أن كثيراً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة صحيحة من جهة معناها ومبناها، ومع ذلك لا يصحّ رفعها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها ليست من كلامه، وإنما من كلام حكيم، أو واعظ مرغِّب مرهِّب، أو فقيه مدفوع إلى نصرة مذهبه.

ج ـ طائفة وَفَّقت في نقدها الحديثي بين المتن والسند، فوفّت كل جانب حقّه من البحث والنظر، فلا تتعجّل بتوهيم الراوي لشبهة عرضت في المتن، ولا تنزّهه في الوقت ذاته عن الخطأ والنسيان والغفلة، كما أنها وُفّقت في الحكم على الحديث بالوضع وإن كان إسناده قائماً، وذلك في مواضع مخصوصة (1).

والمطلوب اليوم أن يُوفّى المتن حقّه من قِبَل أهل الصنعة، فيردّ منه كل شاذ ومنكر ومعلول، بل يحكم عليه بالوضع إذا ظهرت أماراته، وإن كان إسناده صحيحاً، وهذا عين الاعتدال والإنصاف الذي أخذت به الطائفة الثالثة؛ بيد أن الراكب لهذا المسلك الوعر يحتاج إلى زاد من المعرفة بالسنن والآثار، ومعايشة غير قصيرة للهدي النبوي في قوله وفعله، وتقريره وتركه. يقول ابن القيم: (إنما يعرف ذلك من تضلّع في معرفة السنن الصحيحة، وخُلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها مَلَكة واختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم - وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه أو يكرهه، ويشرعه للأمة؛ بحيث كأنه مخالط له ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أصحابه الكرام؛ فمثل هذا يعرف من أحواله وهديه، وكلامه وأقواله وأفعاله، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز بما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كل متبوع من تابعه؛ فإن الحريص على أقواله وأفعاله من العلم بها، والتمييز بين ما يصح أو ينسب إليه، وما لا يصح، ليس كمن لا يكون كذلك) (2).

ومن ثم فإن الإغراق في جزئيات الإسناد، وتفاصيل الرواية، ودقائق أحوال الرجال يلزم منه إغفال التوسّع في بحث المتن، وهذا من شأنه أن يوسّع الهوّة بين الحديث والفقه؛ لأن مبنى الفقه على المتن، والمتن إذا لم يُمحّص بغربال النقد استخلصت منه أحكام قد تضيّق واسعاً، أو توسّع ضيقاً، أو تستدرك على الشرع ما ليس منه.

3 ـ ثمار التواصل:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير