ولذلك مال ابن تيمية - بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في هذا الحديث المتقدم ذكرها - إلى قبول هذا الحديث، وإن كان لم يجزم بقبوله، يدل عليه قوله: "وفي الجملة فإسناده في الظاهر جيد إلا أن يكون قد اطلع فيه على علة خفية"، ثم قال: "ومعناه شبيه بالواقع"، وقال أيضاً بعد ذلك: "وقوله أحلوا الحرام وحرموا الحلال مطابق للواقع".
2 - القسم الثاني: ما كان مجزوماً برده، سواء كان حديثاً شديد الضعف أو خطأً أو موضوعاً، وهو الحديث الذي لا يتقوى بغيره، فهذا القسم من الحديث لا ينبغي أن يستأنس بموافقة الواقع له لأنه في حكم المعدوم، ويمكن التمثيل له بكثير من الأحاديث التي تتحدث عن بعض المغيبات وهي شديدة الضعف ويوافق الواقع بعد ذلك معناها، ومن هذا القبيل أحاديث شحن بها أحمد بن الصديق الغماري كتابه "مطابقة الإختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية".
منها حديث: "ويحاً للطالقان فإن لله فيها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة"، حيث استدل به على وجود البترول، إذ فسر الكنوز التي ليست من ذهب ولا فضة بذلك، مع أن الحديث موضوع حكم بوضعه غير واحد من أهل العلم.
وفي استدلاله به نظر من وجه آخر، وهو ما ذكرته في المسألة الأولى من وجوب ظهور الموافقة، فإن موافقة هذا الحديث للواقع الذي ذكره الغماري غير ظاهرة، وذلك لأن آخر الحديث نص على معنى هذه الكنوز، وأنها رجال مؤمنون، فنص الحديث كما يلي: "ويحا للطالقان فإن لله فيها كنوزا ليست من ذهب ولا من فضة، ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي آخر الزمان"، ولفظه في موضوعات ابن الجوزي: "وإن لله بخراسان مدينة يقال لها الطالقان وإن كنوزها لا ذهب ولا فضة ولكن رجال مؤمنون ... " الحديث.
الخاتمة
1 - أن المراد بالواقع في هذا البحث كل ما وقع، سواء كان وقوعه في الماضي، أم في الحاضر، والمراد بالحديث ما ورد بصيغة الخبر، لا ما ورد بصيغة الإنشاء، كالأوامر والنواهي.
2 - أن نطاق الحكم على الحديث بالواقع ضيق جداً، ومعظم الشريعة الإسلامية بمعزل عنه، لأن القصد من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو التشريع، ومن ثم كان غالب الشريعة الإسلامية أحكاماً، إما وضعية وإما تكليفية، وأما الأخبار فقليلة بالنسبة للأحكام.
3 - أن أحاديث المغيبات المثبتة لا يمكن الادعاء أن الواقع يخالفها، لأن ذلك الادعاء لا يصح إلا بانتهاء وقت الدنيا وقيام الساعة قبل حدوث ما ذكر فيها، وهذا ما لا يسع أحداً قوله، وأحاديث المغيبات النافية وهي التي تنفي وقوع شيء معين مطلقاً إنما يصح الادعاء بأنها تخالف الواقع بإثبات أن المنفي المعين تحقق.
4 - أن الدليل دل على أن مخالفة الواقع للخبر شرط منفي لصحة الحديث، كالشرطين الأخيرين، أعني عدم الشذوذ وعدم العلة، وأما موافقة الواقع للخبر فليس شرطاً موجباً في صحة الخبر بالنسبة لعلمنا، وإن كان شرطاً في حقيقة الأمر.
5 - أن ثمة فرقاً بين اشتراط عدم مخالفة الواقع للخبر، وبين بقية الشروط الخمسة، فالأول شرط لصحة الحديث في حقيقة الأمر، والشروط الخمسة إنما هي شروط قبول، لا للصحة في حقيقة الأمر.
6 - أنه يشترط لرد الحديث بمخالفة الواقع له شرطان؛ الأول: عائد إلى المخالفة نفسها، وهو أن تكون مخالفة الواقع للخبر من باب مخالفة الضدين أو النقيضين، بحيث لا يمكن الجمع بينهما، والشرط الثاني: أن يكون الطريق المثبت لمخالفة الواقع للخبر هو العلم لا مجرد الظن.
7 - أن بين ما ينتهجه المتقدمون في انتقادهم وما ينتهجه المعاصرون فرقاً مهماً، وهو أن المتقدمون إذا رأوا الحديث بين الفساد لم يبادروا إلى رده دون بيان خلل في إسناده، فيكون مرد الانتقاد عندهم إلى خلل في الإسناد، بخلاف المعاصرين.
8 - أن حديث الجساسة يعتبر أصلاً في الاستئناس بموافقة الواقع للخبر، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ... " الحديث.
9 - أن الحديث الذي يتقوى بالمتابعات والشواهد، ينبغي أن تزيده موافقة الواقع قوة، ولا أقل من أن يستأنس بها، بخلاف ما لا يتقوى بغيره، فلا ينبغي أن يستأنس بموافقة الواقع له لأنه في حكم المعدوم.
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[05 - 02 - 09, 08:48 م]ـ
جزاك الله خيرا شيخ سعيد ونفع بك
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[15 - 02 - 09, 09:59 ص]ـ
جزى الله المشايخ والإخوة الكرام خيرا
يبقى أن العوام لا ترضى ولا تنتفع بالأدلة وأقوال العلماء بعدما "جرّبت" حديثا وصدقه الواقع، والأحاديث كثيرة جدا في هذا الباب: أحاديث فضائل القرآن، أحاديث الطب النبوي ... وبالجملة أحاديث العادات الضعيفة والموضوعة
فما العمل؟
ـ[ابو تميم عبدالله]ــــــــ[27 - 06 - 09, 08:13 م]ـ
أخي الكريم هل لك أن تذكر لي مثالا واحدا؟
وجزاك الله خيرا.
اخي الكريم انظر - غير مأمور - الرابط التالي:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=109066#post109066
فقد نقل الشيخ الفقيه كلام الشيخ التويجري ونقده
¥