تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال عبدالله بن داود الخريبي: (سمعت من أئمتنا ومن فوقنا أن أصحاب الحديث وحملة العلم هم أمناء الله على دينه، وحفاظ سنة نبيه ما علموا وعملوا) (6).

وقال كهمس الهمذاني: (من لم يتحقق أن أهل الحديث حفظة الدين فإنه يعد في ضعفاء المساكين، الذين لا يدينون لله بدين! يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً …)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثني جبرائيل عن الله عزوجل) (7).

وقال سفيان الثوري: (الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض) (8).

فقاموا _ رحمهم الله _ خيرَ القيام بالحفاظ على السنة والذب عنها، فحققوا كل لفظة، وفحصوا كل حرف وكلمة، وميزوا الصحيح من السقيم، والمعوج من المستقيم، وبينوا حال كل ناقل من رواة الأخبار وحمال الآثار من: اسمه ونسبه، ولقبه وكنيته، وسنه ومولده، ومتى رحل؟ وأين ارتحل؟ ومن لقي ومن لم يلق؟ وكيف كان سماعه ممن سمع؟ وكيف حفظه ومدى ضبطه؟، إلى غير ذلك مما يطول شرحه ويصعب استقصاؤه.

قال ابن حبان في وصف ما قاموا به:: (أمعنوا في الحفظ، وأكثروا في الكتابة، وأفرطوا في الرحلة، وواظبوا على السنن والمذاكرة، والتصنيف والمدارسة، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عداً!، ولو زيد فيها ألف أو واو لأخرجها طوعاً ولأظهرها ديانة، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار، وعلا أهل الضلالة والهوى، وارتفع أهل البدع والعمى، فهم لأهل البدع قامعون بالسنن شأنهم جامعون دامغون، حتى إذا قال وكيع بن الجراح: حدثنا النضر عن عكرمة، ميزوا بين حديث النضر بن عدي الحراني وبين النضر بن عبدالرحمن الخزاز، وأحدهما ضعيف والآخر ثقة، وقد رويا جميعاً عن عكرمة، وروى وكيع عنهما …) (9).

وقد وهب الله هذه الطائفة من المحدثين الحفظ الغزير، والفهم السديد، واليقظة الشديدة، والهمة العالية، ومن الصبر على تحمل الشدائد ما يفوق الخيال ويُظن أنه من المُحال!

فقاموا بالرحلات الطويلة مشياً على الأقدام، حتى أن أحدهم ليرحل في الحديث الواحد الفراسخ البعيدة، وفي الكلمة الواحدة الأيام الكثيرة، وبذلوا في ذلك كل غالٍ ونفيس، ولم يحابوا قريباً ولا بعيداً، بل منهم من جرح قريبه وأدناه، وضعّف أخاه وأباه!، فكانوا مصداقاً لقوله عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

فلولا هؤلاء الأئمة النقاد لاختلط الصحيح بالسقيم والغث بالسمين، ولمحيت الأخبار واندرست الآثار، ولضاع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وغابت شمس الإسلام!

قال أبوعبدالله الحاكم: (فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه، لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد) (10).

وقال الخطيب البغدادي: (كم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صُدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم الغالبون) (11).

وقال أيضاً: (ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها، واستنباطها من معادنها، والنظر في طرقها = لبطلت الشريعة، وتعطلت أحكامها، إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة، ومستفادة من السنن المنقولة) (12).

فاللهم اجزهم عنا خير ما جزيت به مسلماً، واجعلنا اللهم من أتباعهم، ومن حملة لوائهم، وبلغنا اللهم منازلهم، واحشرنا في زمرتهم.

يتبع


(1) سورة الحجر: آية (9).
(2) سورة النحل: آية (44).
(3) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 110) وانظر أيضاً: (1/ 88،109).
(4) أخرجه أبوداود في سننه (3/ 321) وأحمد (1/ 321) وغيرهم من حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح.
وقد صححه ابن حبان في صحيحه (1/ 262) والحاكم في مستدركه (1/ 174).
(5) شرف أصحاب الحديث (42_43).
(6) المصدر السابق (43).
(7) المصدر السابق (43_44)
(8) المصدر السابق (44).
(9) مقدمة كتاب المجروحين (57_58).
(10) معرفة علوم الحديث (6).
(11) شرف أصحاب الحديث (10).
(12) الكفاية في علم الرواية (5).

ـ[هشام الحلاّف]ــــــــ[20 - 09 - 05, 11:47 ص]ـ
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير