أخي الفاضل محمد رفع الله قدرك، وحفظك، وزادك أدبا وحسن خلق، فنعم المجد في العلم الحريص عليه أنت، وقد كنت على ثقة من أني سأستفيد من تعليقك، ولذا رغبت فيه، وقد علمتُ سلامة مباحثتك، وحسن مناقشتك، ودقة ملاحظاتك.
ولو وفقني الله لأن أكون شيخا وعندي بعض الطلبة مثلك لتوسدت التراب وأنا قرير العين، مطمئن الفؤاد، ولكن هيهات هيهات ما أخوك إلا محب لأهل العلم، نازل بجوارهم، مغترف من علومهم، ما يطلب إلا السلامة في دينه ودنياه.
وقولك أخي الفاضل: لكن الظاهر من قولكم أولاً: "لا يجزم مثل البيهقي إلا بما صح عنده" أنه لا فرق بين معلقات البخاري ومعلقات البيهقي، ولذا سألت ذلك السؤال.
أقول - رعاك الله -: أما من حيث الصورة الظاهرة فلا فرق نعم، فكلاهما حذف شيئا من الإسناد، وكلاهما إمام، وجزم بما علقه.
وأما حكم معلقاتهما في الأصل: فعدم القبول، لفقدان شرط الصحيح، واستصحب هذا الحكم جماعة من نقاد الحديث مع كل الأئمة الذين علقوا الآثار مهما علا كعبهم في هذا الباب من العلم، إلا أن يسند المعلق من طريق معتبر.
وذهب جمع من أئمة أهل الحديث إلى الاحتجاج بما علقه البخاري جازما به لالتزامه الصحة، ثم بعد التفتيش والبحث وجدوا مصداق ذلك في عموم ما أورده من المعلقات جازما به.
ولم يجدوا هذا عند أغلب من أورد المعلقات في مصنفاتهم، فلذا طلبوا إتصال الإسناد ليصح الاحتجاج.
وتراني أيها الفاضل فوق ذلك قيدتُ كلامي بـ < عنده > ولا تخفى عليك دلالة ذلك، كما لا يخفى عليك أن ما صح عنده ليس بالضرورة أن يصح عند غيره، فضلا أن يكون صحيحا في نفس الأمر. وهذا لعمر الله منطبق في الأصل على أحكام كل أهل الحديث، وإنما توطاؤا على قبول ما في الصحيحين لما تقدم لهم من بحث وتفتيش فوجدوا الأمر كما التزمه صاحباهما إلا الأحرف المعروفة المشهورة.
وقولك - نفع الله بك -: وكلامكم عن قصده من إيراد التعليق، وتشدد البيهقي في الألفاظ = جيد، لكن هل يكفي هذا لنحكم بصحة ما علقه البيهقي؟ أليست هذه أدلةً محتملة لا تقوى على الدلالة لما نحن بصدده؟
أقول: الحمد لله على الشطر الأول، وهذا شهادة أعتز بها منك (ابتسامة محبة صافية).
أما أن نكتفي بها للحكم على ما علقه البيهقي - رحمه الله - مع أن هذا ليس من بحثنا لأننا لسنا بصدد الحكم عليها، وإنما بحثنا في حكم البيهقي على ما يورده من متابعات معلقة = أقول: أهل النقد الدقيق من المحدثين لا يكتفون بهذا لا من البيهقي ولا ممن هو أعلى طبقة، وأرفع درجات منه، حتى يُظهر وصل ما علقه، أو يَظهر لنا عند غيره، بشرطه المعتبر. ولو اكتفوا بمثل ذلك لما تكلموا في بلاغات مالك ومرسلاته ... ، أو في معلقات ... البخاري وغيره، وهذا المهيع الصحيح الموافق للتناسق العلمي.
وقولك - لا زلت مسددا -: ألا يلزم لذلك دليل قوي صريح صحيح يخرج معلقات البيهقي من أصل معلقات كافة المصنفات، التي يبحث فيها عن السند موصولاً، ثم يحكم عليه صحةً وضعفًا - كما قلت آنفًا -؟
أقول: نعم يلزمنا ذلك، ولذا لم أحكم بسلامة تلك المعلقات عند غيره ممن لم يقلده، وإنما قيدت بـ < عنده >، وهذا كما أسلفت يلزمنا - إن أنصفنا - في كل المعلقات بلا استثناء، مهما كانت درجة صاحبها العلمية، ومهما كان صاحبها جازما بها.
و من دليل ذلك قولك - سلّمك الله -: وانظر إلى الإمام العظيم أبي الحسن الدارقطني - رحمه الله -، وكيف يورد من المتابعات جازمًا بها، ويرجح بها روايةً على أخرى - وهذا ليس بالأمر السهل، وهو كإيراد البيهقي المتابعة لتقوية جانب الصحة في حديث المختلط، بل أهم -، ثم يسند المتابعة، فتجد فيها من لا يحتج بحديثه، بل تجد المتابِع نفسه ضعيفًا - إن لم يكن متروكًا -!
فإذا كان حال الإمام الدارقطني - رحمه الله - ما ترى، فكيف بغيره؟
ـ[سيف 1]ــــــــ[21 - 10 - 05, 06:31 ص]ـ
شيخنا الكريم أبو عبد الله جزاك الله خيرا
فهل تسلم بما قاله أخونا الكريم محمد في حق الامام الدارقطني؟
لا أكاد استسيغ هذه المقولة في حق الدارقطني , فهي ليست مقبولة في حق أحد من المحدثين العاديين فضلا عن الامام. ولا أظن هذا ابدا
وقد قرأت من قبل ان من فوائد العلل للدارقطني انها تشير لبعض المتابعات والطرق التي لم تصل الينا. فلماذا لا نقول أن ما عثر عليه الشيخ مصطفي باجو من اسانيد ضعيفة لا تقوم بها حجة لهذه المتابعات والطرق لم تكن عمدة الدارقطني في كلامه وانما كان عمدته بعض الطرق التي لم نطلع عليها؟
وان استشهد احدهم بايراد الدارقطني بعض هذه الطرق والمتابعات من طريقه هو وكان فيها ضعف لا يقوم به حجة فلما لا نقول ان هذه الطرق محفوظة في نفسها وانما أخرجها الدارقطني من طريقه لبيان اتصالها به كما يفعل الحاكم والبيهقي في بعض الأحاديث التى أخرجها الشيخان ولا يكتفون بذكر كون الحديث عندهما بل تراهم يقولون وحدثنا به فلان عن فلان.فان وجد فيها راو ضعيف فهو لم يسقط الحديث لأن أصل الحديث محفوظ اصلا وانما ذكروه لبيان اتصاله بهم
ولا يخفي قصة الامام مسلم مع أبو زرعة رحمهما الله عندما انتقد الأخير عليه كونه أخرج في الصحيح عن بعض المتهمين فأعتذر بأن هذا لا يضر لأن أصل الحديث محفوظ بنزول من غير طريقهم وهو قد اخرجه بعلو
جزاكما الله خيرا
¥