فنتبين من هذا أن الفرقة الناجية , هم: السواد الأعظم من المسلمين؛ الذين ساروا على منهج الصحابة رضي الله عنهم , ومن تبعهم إلى يوم القيامة؛ من العلماء , و العباد , و الدعاة , و المجاهدين , وعوام الناس على مختلف طبقاتهم , فمن سار على هذا المنهج و لم يشذ؛ فهو منهم إن شاء الله تبارك وتعالى.
وستبقى هذه الطائفة , كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعو إلى الحق والخير , وتأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر , وتدحض البدع والشبهات المضللة بالحجج والبراهين , وتجاهد الباطل حسب استطاعتها باليد و اللسان و القلب، فعلى المؤمن الثبات على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في عقيدته وعبادته و أخلاقه , و عليه الأخذ بسنة نبيه و الإقتداء بأمره و مجانبة الأهواء و المعاصي و البدع , ثم الدعوة إلى الحق و بذل ما يستطيعه في نصرة دينه , ليلحق بمن سلف , فهم كانوا مفاتيح الحق , مغاليق الشر , فكم من جاهل علَّموه , و من ضال قد ردوه , و هم مصابيح الهدى و النور الذي بهم يستضاء و يقتدى.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما , قال: لما خرجت الحرورية , اجتمعوا في دار وهم ستة آلاف , أتيت علياً فقلت: يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر؛ لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم , قال: أني أخاف عليك , قلت: كلا , قال ابن عباس: فخرجت إليهم , ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن , فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون , فسلمت عليهم , فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس , فما هذه الحلة؟ قال: قلت: ما تعيبون علي؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل , ونزلت: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} [سورة الأعراف: 32] قالوا: فما جاء بك , قلت: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , من المهاجرين والأنصار , لأبلغكم ما يقولون؛ المخبرون بما يقولون فعليهم نزل القرآن , و هم أعلم بالوحي منكم , وفيهم أنزل , وليس فيكم منهم أحد , فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشا , فإن الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف 58] , قال ابن عباس: و أتيت قوماً لم أر قوما قط أشد اجتهاداً منهم , مسهمة وجوههم من السهر , كأن أيديهم وركبهم تثني عليهم , ثم ناظرهم فرجع من القوم ألفان , وقتل سائرهم على ضلالة. (13)
وعن يَزِيدِ الْفَقِيرِ , قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي , رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ , فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ , أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ , قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ , قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ , مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: "إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" [آل عمران 192] , "كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا" [السجدة 20] , فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ , قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ , قُلْتُ: نَعَمْ , قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ , قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ , وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ , قَالَ: وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ , قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا , قَالَ: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ , قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ , فَرَجَعْنَا , قُلْنَا: وَيْحَكُمْ , أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
¥