يقول: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".انتهى كلامه.
أقول: لا وجه للتوقف في رواية أبي سفيان عن جابر للمقال المذكور بعد معرفة الواسطة على ما مر بيانه. والله أعلم. ولا وجه أيضًا للغمز في التصريح بالسماع فيما أخرجه مسلم في صحيحه (2207) (74) قال: وحدثني بشر بن خالد، حدثنا محمد يعني ابن جعفر، عن شعبة، قال: سمعت سليمان، قال: سمعت أبا سفيان، قال سمعت جابر بن عبد الله قال:"رُمِيَ أُبَيّ يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم". لأن شيخه بشر بن خالد قال عنه ابن حبان في "الثقات" (8/ 145):"مستقيم الحديث، يغرب عن شعبة عن الأعمش بأشياء". فقد تابعه الإمام أحمد فقال في "مسنده" (3/ 304): حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت سليمان، سمعت أبا سفيان، قال: سمعت جابرًا، فذكر الحديث. أما الحديث الثاني الذي ذكره، فقد قال الإمام مسلم (82): حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وعثمان بن أبي شيبة، كلاهما عن جرير، قال يحيى: أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان قال: سمعت جابرًا يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث. فلم يجد الأخ الفاضل من يغمز به هذا الإسناد كما فعل مع بشر بن خالد فسكت عليه!! ولكنه غمز في الرواية نفسها بقوله:" إذ إن في سنده أبا سفيان طلحة بن نافع في روايته عن جابر مقال وقد تقدم ذلك مرارًا".
أقول: ألا يكفينا قول شعبة وغيره أن أبا سفيان سمع من جابر أربعة أحاديث، مع إثبات أبي حاتم، ومسلم السماع له وإخراج مسلم ما يدل على سماعه في غير هذا الحديث فقد قال الإمام مسلم في الأشربة (2052) (167): حدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا إسماعيل (يعني ابن علية)، عن المثني بن سعيد، حدثني طلحة بن نافع؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ذات يوم، إلى منزله فأخرج إليه فلقًا من خبز، فقال:: "ما منْ أُدُمٍ؟ " فقالوا: لا. إلا شيء من جل. قال:"فإن الخل نِعْمَ الأدُمُ". قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم. وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. فهذا إسناد متصل صحيح إبراهيم بن يعقوب الدورقي شيخ مسلم قال في التقريب:"ثقة، كان من الحفاظ"، وإسماعيل بن علية قال في التقريب:"ثقة حافظ"، والمثني بن سعيد هو الضبعي قال الإمام أحمد، ويحيى ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، والعجلي: ثقة، وقال النسائي:ليس به بأس، كما في "تهذيب الكمال" (27/ 202)، وقال ابن حبان في الثقات (5/ 443):"يخطئ"، وقال الحافظ في "التقريب":"ثقة". وقد يقال: إن أبا سفيان صرح هنا بسماعه للحديث من جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ لكن المثني بن سعيد قال عنه ابن حبان:"يخطئ"،فلا يغفل مثل ذلك هنا، مما يشعر أن يكون التصريح بالسماع مما أخطأ فيه. والجواب: أنه لا يضره قول ابن حبان بعد توثيق هؤلاء الأئمة، ولا يلزم إن أخطأ أن يكون تصريحه بالسماع في هذا الحديث من الأخطاء التي قصدها ابن حبان [ذهب الشيخ الألباني-رحمه الله- إلى أن قول ابن حبان في الراوي:"يخطئ" ليس تضعيفًا للراوي كما هو معروف عند الدارسين لقول ابن حبان هذا، فهو إنما يعني أنه وسط حسن الحديث، فهناك مئات المترجمين عنده قال فيهم هذا-أو نحوه-، ومع ذلك يخرج لهم في صحيحه". من كتاب "النصيحة" (ص/247)]، لأنه القول بسماع طلحة من جابر ثبت عند غير واحد من الأئمة، على أن القول بتوهيم المثني في تصريحه بسماع طلحة من جابر يبعد مع قول طلحة: "ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر". كما هو ظاهر. والله أعلم. على أن الجمع بين سماعه الذي أثبته غير واحد وروايته عن طريق الصحيفة ممكنًا على ما مر بيانه. هذا ما ظهر لي. والله أعلم.
على من يقرأ كلامي هذا التعليق العلمي عليه حتى تتحقق الفائدة من هذا الملتقى، والله الموفق.
وكتبه
أبو عمر المنصوري
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[01 - 10 - 05, 02:39 ص]ـ
الشيخ الفاضل أبو عمر المنصوري حفظه الله
جزاكم الله خيرا على هذا المبحث المفيد القيم، ونسأل الله أن يبارك في علمكم وينفع بكم.
وحياكم الله في ملتقى أهل الحديث.
وهذه بعض المسائل والمطارحات لما سبق في البحث بقصد المدارسة والفائدة
وحول لفظ الأثر الوارد من رواية عاصم عن الشعبي
ففي سؤالات البرذعي لأبي زرعة (2/ 771)
قلت يقال إن سماع الشعبي عن جابر (وفي المطبوع جرير!) فيه شيء فقال حدثنا إبراهيم بن موسى أنا ابن أبي زائدة عن عاصم قال عرضنا على الشعبي صحيفة بالأهواز فقال ما فيها شيء إلا وقد سمعت من جابر، ولو زدت أراك منه كفافا.
وفي علل الترمذي الكبير ص:163
280 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود عن شعبة عن عاصم قال قرأت على الشعبي كتابا فيه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها فقال الشعبي سمعت هذا من جابر
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال يحدث الشعبي عن صحيفة جابر ولم يعرف حديث أبي داود عن شعبة.
وعند البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 451):قال: إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا عاصم: عرضنا على الشعبي صحيفة جابر أو صحيفة فيها حديث جابر فقال:"ما من شيء إلا سمعته من جابر، ولوددت أنكم انقلبتم منه كفافًا".، وقد رواه كذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريقه.
وقد يحمل كلام أبي حاتم على أن أكثر حديث الثلاثة عن جابر من الصحيفة، ولايعني هذا عدم سماعهم للحديث من جابر، فقد يكون الشعبي مثلا سمع هذه الأحاديث من جابر ثم رواها بعد ذلك من الصحيفة وحدث منها، وقد يكون مقصوده كذلك أن غالب ما رواه هؤلاء عن جابر موجود في صحيفة جابر التي بقيت تتداول إلى زمن أبي حاتم.
¥