تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يشك الباحث بأن كتب الجرح والتعديل طافحة بأقوال أئمة الجرح والتعديل في مسائل العقائد، قلما تخلوا منها ترجمة قدحاً أو مدحاً، ولذلك كونت مادة دسمة وأساسية في مكونات الترجمة ومحتوياتها.

ومع كل هذا الذي قدمنا، ومع كثرة دور هذه المسألة في كتب الجرح والتعديل فقد لاحظنا أن العلماء الجهابذة الأوائل فلما تأثروا بالعقائد عند إصدار الحكم النهائي على الراوي، بل كان الأساس في ذلك هو صدق الراوي وتثبته وصحة حديثه.

,ونرى من المفيد أن نضرب بعض أمثلة لذلك نتناول فيها أشهر العقائد المخالفة لأهل السنة والجماعة الذين كان المحدثون منهم. وأول ما يتبادر إلى الذهن توثيق كثير من الشيعة المحترقين والرواية عنهم، وهم بذلك التوثيق كأنهم يذكرون أن بدعته غير مؤثرة في وثاقته وصحة روايته، فقد سئل يحيى بن معين عن سعيد بن خثيم الكوفي فقال: كوفي ليس به بأس ثقة، فقيل ليحيى: شيعي؟ فقال: وشيعي ثقة، وقدري ثقة ().وقال في الحارث بن حصيرة الأزدي أبي النعمان الكوفي: خشبي ثقة وقال ابو داود: شيعي صدوق. والحارث هذا قال فيه ابن عدي: وهو أحد من يعد من المحترقين بالكوفة في التشيع (). وكان عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعياً جلداً، ومع ذلك فقد كان ابن خزيمة يقول:) حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب) () وقد وثقه ابو حاتم الرازي () واخرج له البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد حديثاً واحدا مقروناً، حديث ابن مسعود: أي العمل أفضل (). وكان يعقوب هذا يشتم عثمان، ويزعم أن الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة لأنهما قاتلا علي بن أبي طاب بعد ان بايعاه () وذكر ابن عدي أنه كان يشتم السلف ويظهر مثالهم ()، فهو شيعي داعية الى بدعته كما قال ابن حبان () وبسبب اخراج البخاري له في صحيحه وتوثيق ابن حبان قال الحافظ ابن حجر في (التقريب)، (صدوق رافضي) ().

ومن الأمثلة القوية على عدم اعتبار النقاد الجهابذة الأوائل للعقائد في توثيق الرواة هو عبد الرحمن بن صالح الأزدي العتكي، فقد ذكر عنه أنه كان يروي أحاديث سوء في مثالب أصحاب رسول الله ? وازواجه، وهو شيعي محترق كما قال مارون بن موسى الحمال وابن عدي ()، ومع ذلك قال الحسين بن فهم الحراني: رأيت يحيى بن معين وحبيش بن مبشر وابن الرومي بين يدي عبد الرحمن بن صالح جلوساً. وقال ابن محزر عن يحيى بن معين: لا بأس به (). وقال سهل بن علي الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: يقدم عليكم رجل من أهل الكوفة يقال له عبد الرحمن بن صالح ثقة صدوق شيعي لأن يخر من السماء أحب من أن يكذب في نصف حرف (). ولا بد أن ابن معين انما وثقه لمعرفته التامة به، وبصدقه وضبطه وابتعاده عن الكذب بسبب بدعته. وقال يعقوب بن يوسف المطوعي: كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضياً، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقربه ويدينه، فقيل له: يا أبا عبد الله، عبد الرحمن بن صالح رافضي فقال: سبحان الله، رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي ? نقول له: لا تحبهم؟ هو ثقة (). وقال موسى بن هارون: كان ثقة، وكان يحدث بمثالب أزواج رسول الله ? وأصحابه ().

ومنهم فطر بن خليفة الذي اخرج له الإمام البخاري في صحيحه ()، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول كان فطر عند يحيى ثقة ولكنه خشبي مفرط. وسألت أبي مرة عنه فقال: ثقة صالح الحديث حديثه حديث رجل كيس الا انه يتشيع (). فانظر الى هذا الشيعي الغالي المفرط كيف وثقة امامان جبلان هما يحيى بن معين وأحمد بن حنبل مع ادراكهما لبدعته. وقد وثقه بعد ذلك يحيى بن سعيد القطان والعجلي والنسائي والدارقطني وابن سعد ونحوهم ().

وكان محمد بن راشد الخزاعي الدمشقي، نزيل البصرة، المعروف بالمكحولي مشتملاً على غير بدعة كما قال الجوزجاني ()، فقد ذكر أنه شيعي، وقالوا: معتزلي، وقالوا: قدري، وقالوا: كان يرى الخروج على الأئمة ()، ومع ذلك قال الامام أحمد بن حنبل: ثقة ثقة، قال: وقال لنا عبد الرزاق: ما رايت رجلاً أروع في الحديث منه، وفي رواية: أو أشد توقياً ()، وقال في موضع آخر: ثقة سمع من مكحول ()، وقال في موضع آخر: ثقة ليس به بأس (). وقال اسحاق بن منصور الكوسج ()، والمفضل بن غسان الغلابي ()، وابراهيم بن عبد الله ابن الجنيد ()، والعباس بن محمد الدوري ()، وابن طهمان () خمستهم عن يحيى بن معين: ثقة. وقال شعبة: ((صدوق، لكنه شيعي قدري)) (). وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت عليا، يعني ابن المديني، عن محمد بن راشد فقال: كان ثقة (). وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبدالرحمن بن إبراهيم دحيم: ما تقول في محمد بن راشد؟ فقال: ثقة وكان يميل إلى هوى (). فهذا الذي ابتلي بالعديد من البدع وثقة جهابذة الأئمة: شعبة، وابن معين، وابن المديني، وأحمد بن حنبل، ودحيم وغيرهم.

ومنهم إسماعيل بن أبان الوراق الكوفي أحد شيوخ البخاري في الصحيح ()، قال ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق، ولم يكن يكذب في الحديث ()، قال ابن عدي: (يعني ما عليه الكوفيون من تشييع، اما الصدوق، فهو صدوق في الرواية)) ().

ومنهم عبد الملك بن اعين الكوفي الذي خرج له الشيخان مقروناً ()، فقال قال الحميدي عن سفيان بن عيينة: حدثنا عبد الملك بن اعين شيعي عندنا، رافضي صاحب راي (). وقد وثقة العجلي ()،وقال ابو حاتم الرازي: ((هو من عتق الشيعة، محله الصق، صالح الحديث يكتبه حديثه)) ().

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير