" (وبعضهم) كمحمد بن سيرين (أجاز للموصى له) المعين واحداً فأكثر (بالجزء) من أصوله، أو ما يقوم مقامها بكتبه كلها (من راو) له رواية بالموصى به من غير أنْ يُعْلِمه صريحاً بأن هذا من مرويه؛ سواء كانت الوصية بذلك حين (قضى أجله) بالموت 000 (أو) حين توجهه (لسفر أراده) -----.
ولكن رد القول بالجواز حسبما جنح إليه الخطيب، بل نقله عن كافة العلماء، وذلك أنه قال:
ولا فرق بين الوصية بها وابتياعها بعد موته في عدم جواز الرواية إلا على سبيل الوجادة؛ قال: وعلى ذلك أدركنا كافة أهل العلم، إلا أن تكون تقدمت من الراوي إجازة للذي سارت غليه الكتب برواية ما صح عنده من سماعاته، فإنه يجوز أن يقول حينئذ فيما يرويه منها: (أخبرنا) و (حدثنا) على مذهب من أجاز أن يقال ذلك في أحاديث الإجازة؛ وتبعه ابن الصلاح حيث قال: إن القول بالجواز بعيد جداً----).
(97)
الإكثار والإقلال عند النقاد
قال الذهبي في أوائل جزئه (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل):
(اعلم – هداك الله – أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام:
قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي.
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة.
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي.
والكل أيضاً على ثلاثة أقسام:
قسم منهم متعنت في التوثيق متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه، فهذا إذا وثق شخصاً فعض على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متعنتون.
وقسم في مقابلة هؤلاء كأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون، وقسم كالبخاري وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي معتدلون منصفون).
هذا قول الحافظ الإمام الذهبي ولكن عليه في بعضه بعض الاستدراك، ولبيان ذلك مواضع أخرى.
تنبيه: وضع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، في تحقيقه لكتاب الذهبي المنقول منه، لفظة (الجرح) بدل لفظة (التوثيق) في عبارة الذهبي المتقدمة، أعني قول الذهبي (قسم منهم متعنت في التوثيق متثبت في التعديل)؛ وهو صنيع غير حسن وتصرف غير جيد، ولا عذر له في دعواه إذ قال:
(وقع في المخطوطة و (فتح المغيث) و (الإعلان بالتوبيخ) جميعاً هكذا: (قسم منهم متعنت في التوثيق، متثبت في التعديل) وهو تحريف [!!!] تطابقت عليه هذه الكتب [!!]، وصوابه كما أثبته [!!]، وقد جاء على الصحة في الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للإمام اللكنوي ص181، نقلاً عن فتح المغيث للسخاوي، فالظاهر أنه نقل العبارة من نسخة قويمة، أو أصلح العبارة عند إثباتها في كتابه).
كذا قال وهو اختيار غريب، كيف يقدم عبارة اللكنوي على عبارة الأصل أي مخطوطة كتاب الذهبي وهي عبارة (فتح المغيث) و (الإعلان بالتوبيخ)؟ وهو من أعلم الناس باللكنوي وبطريقته في النقل بالمعنى وكثرة تصرفه بما ينقله من عبارات أهل العلم، بل إنه كثيراً ما يتصرف بالعبارة التي ينقلها تصرفاً مخلاً بمعناها إخلالاً يسيراً أو كثيراً ويغيرها تغييراً غير مرضيٍ عند المحققين؛ ومن تامل تعليقات أبو غدة نفسِهِ على (الرفع والتكميل) وجد مصداق هذا واضحاً لا خفاء به.
ويؤيد هذا أن اللكنوي نقل العبارة عن السخاوي والذي في كتابي السخاوي خلاف نقله.
ويؤيده أيضاً سياق الكلام، فتأمله تجده كذلك.
ويؤيده أيضاً أنه وجه الكلام، فإن المعروف في عباراتهم أن يقال فلان متعنت في التوثيق أي صعب فيه بطيء عنه كثير الامتناع منه والتوقف فيه وعنه؛ وأما في الجرح فالمعروف أن يقال: فلان شديد في الجرح أو كثير الطعن في الرواة ونحو ذلك؛ ولا يكاد يستقيم قول القائل: (هو متعنت في الجرح) لأن معناه حينئذ أنه غير ميال إلى التجريح ولا يطلقه إلا قليلاً ولا يصير إليه إلا بعد التأني والتثبت؛ ولا شك أن هذا خلاف ما قصده الذهبي بعبارته هذه.
انتهى ما أردت التنبيه عليه هنا وليس من الخطورة في شيء، وإنما أردت التنبيه إلى ضرورة التثبت والتريث قبل الإقدام على التصرف في كتب العلماء؛ والله أعلم.
(98)
معنى تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم
¥