122 - من أهم ما ينفع في التوصل إلى قواعد وضوابط التقوية بكثرة الطرق هو معرفة أسباب واحتمالات وكيفيات تكاثر الطرق والمتابعات أو قلتها، إجمالاً وتفصيلاً؛ ومحاولة تطبيق ذلك في حق الحديث المراد تخريجه إذا كان من النوع الذي يحتمل أن يتقوى بمجموع طرقه، لمعرفة صلاحيته لذلك.
123 - من أدلة تعليل الحديث عندهم أن يروى الراوي الحديث بإسناد عال، أو صحيح، أو عن إمام من الأئمة؛ ثم يأتي غيره ممن هو أوثق منه وأكثر اعتناء بالحديث وأعلم بطرقه وعلله فيرويه نازلاً أو بإسناد فيه علة ظاهرة، أو يرويه عن راو ضعيف أو متكلم فيه أو مرغوب عنه أو هو دون ذلك الإمام الحافظ المرغوب في حديثه، بكثير.
124 - الإحصاء الوارد عن الأئمة له معنى مهم جداً؛ مثل قولهم (فلان لم يرو عن زيد إلا خمسة أحاديث)؛ فمعنى هذا – إن ثبت – أن ما زاد عن تلك الخمسة فليس بصحيح، فينبغي أن يرد؛ وكذلك قولهم (هذا حديث غريب)، فينبغي أن يشك في ورود طرق أخرى له ترفعه عن حد الغرابة؛ وكذلك إدخالهم الحديث في كتب الغرائب والفوائد؛ وكذلك نحو قولهم (وهم فلان عن فلان في خمسة أحاديث)؛ وكذلك نحو قولهم (فلان لم يسمع من فلان إلا ثلاثة أحاديث) فإذا أحصينا له أكثر من ثلاثة أحاديث يصرح فيها بالسماع عن ذلك الشيخ، فقد وقع الخلل فيها إلا ثلاثة، ولا بد؛ وهذا كله على افتراض التسليم لتلك الأقوال الواردة عن أولئك الأئمة، وهو الأصل الواجب لزومه ما لم يدل الدليل على وجوب الخروج عنه، فإن تعقب أئمة العلل بدليله الصحيح وشروطه المعتبرة، ومن قبل المتأهلين لذلك، وارداً أحياناً، ولكنه قليل وخارج عن الأصل، كما ذكرت.
125 - الشك عند علماء العلل يكون أكثر في أنواع من الأحاديث؛ فتراهم أكثر تثبتاً وتروياً في نقدها والحكم عليها:
منها الأحاديث التي تطابق - أو تشبه كثيراً - الحكم أو الأمثال أو القواعد العلمية ولا سيما الفقهية منها، أو نحو ذلك.
ومنها الأحاديث الواردة على الجادة مع مخالفتها لرواية من هو أعلم وأوثق، وهذا الأعلم الأوثق قد روى الحديث مخالفاً للجادة.
ومنها الأحاديث التي يرغب الناس وعامة الرواة فيها، وذلك لما فيها من ترغيب شديد وبشارات عظيمة.
ومنها أحاديث الفضائل؛ ولا سيما فضائل من يرْغبُ أكثر الناس في التقرب إليهم أو إلى أتباعهم.
ومنها أحاديث الفتن والخلافات والفرق والأمور التي اشتد النزاع فيها كأحاديث ذم القدرية.
126 - من أهم ما ينفع في علم العلل معرفة الجادة، أعني في كل شيء أو باب من أبواب الفن المتعلقة بنقد الحديث؛ مثل الجادة في مرويات كل راو؛ والجادة في مرويات كل باب؛ والجادة في مرويات كل بلد، والجادة في الأسانيد؛ وهكذا.
127 - ما يحدث به الحافظ من حفظه في صدر أزمنة الأداء وأوائلها يكون في الغالب أصح وأتقن مما يحدث به من حفظه في أواخر عمره؛ وذلك لشدة الرغبة وقوة الحفظ وكثرة المطالعة والمراجعة والمذاكرة، وعلو الهمة في ذلك كله.
128 - قبول التلقين ضده العسر في الرواية، وجحود الشيخ لمرويه ضده التحديث عن التلميذ بذلك الحديث بعد نسيانه؛ فيقول: حدثني فلان عني أني حدثته عن زيد ثم يسوق الحديث.
129 - إذا وهم الثقة في روايته لحديث ما، فوهمه لا يعدو أن يكون أحد الأنواع الأربعة التالية:
الأول: أن يخفي علة حديث معلول فيظهره سالماً منها.
الثاني: أن يصنع عكس ذلك، أي يروي حديثاً صحيحاً في الأصل، ولكنه يهم فيه فيرويه معلولاً بعلة ظاهرة، كالانقطاع بعد الاتصال، أو وضع راو ضعيف مكان راو ثقة.
الثالث: أن يهم في رواية حديث صحيح بما لا يضر الحكم على ذلك الحديث، أي يبقى الحديث صحيحاًً بعد الوهم كما كان قبله.
الرابع: أن يهم في رواية حديث ضعيف بما لا يؤثر على الحكم على ذلك الحديث، أي يبقى الحديث ضعيفاً بعد الوهم كما كان قبله.
فوهم الثقة ليس محصوراً في النوع المشهور، وهو إخفاء علة الحديث المعلول؛ وإنما هو شامل للأنواع الأربعة المذكورة؛ ولكن ذلك النوع المشتهر هو المراد عند الإطلاق؛ وذلك لأكثرية وقوعه من جهة، ولسوء أثره في باب نقد المرويات من جهة أخرى.
130 - تعليل الناقد الحديث يكون إما بتنصيصه على وهم واقع في ذلك الحديث؛ أو على وجود مظنة للوهم.
مثال الأول: أن يقول: هذا الحديث فيه تصريح فلان عن فلان بالسماع، ثم يقول: وهذا خطأ لأن فلان لم يسمع من ذلك الشيخ شيئاً.
ومثال الثاني: أن يقول: هذا الحديث فيه فلان وهو ضعيف؛ أي والضعيف مظنة الوهم والخطأ؛ ولكن لا بد من أن أنبه هنا على أن هذا الخطأ في السند هو أيضاً مظنة للخطأ في المتن؛ ولا يكفي للجزم بوقوع الخطأ في المتن؛ فإن للجزم طرقاً أخرى منها مخالفة الرواية لما هو أثبت منها من المرويات.
فهكذا ترد الأحاديث؛ إما بتيقن وقوع الخطأ؛ وإما بوجود مظنة الخطأ.
ـ[مجاهد الحسين]ــــــــ[29 - 12 - 05, 06:40 م]ـ
جزاك الله عنا كل خير ... لأنك قد نهضت بألف حاجة!
شيخنا محمد: أحبك في الله،
هلاّ ذكرت في موضوع جديد خاص " المنهجية السليمة لدراسة علم الحديث: رواية ودراية " ودبجتها بالنقل عن المتقدمين والمتأخرين، وآرائك الإستقرائية؟
نفع الله بك،وفتح عليك كل علم ينفعك!
¥