(1) ولكن يَرِدُ على هذا الكلام ما أورده عليه الشيخ الألباني في بعض أشرطته الصوتية من أن الواقدي لا يعرف عنه كلام في الجرح والتعديل.
أقول: ولعله يصح أن يجاب عن هذا الإيراد بأحد الجوابين الآتيين أو بمجموعها:
الأول: أن ابن حجر ما قصد أن ابن سعد أخذ غالب أحكامه في الرواة من شيخه الواقدي، وإنما أراد أنه أخذ منه مادة تلك الأحكام وأصْلَها مثل مرويات المحدثين وجملة من تراجمهم وأخبارهم وسيرهم؛ ثم بنى هو على ذلك في بعضهم تعديلاً أو تجريحاً، ولعل هذا الجواب يؤيده معنى كلمة مادة، ولكنه يرد عليه قوله في العبارة الأخرى (يقلد الواقدي) فلينظر فيه.
الثاني: أن الواقدي كان عالماً بالجرح والتعديل كما كان عالماً بالتاريخ وأخبار الناس وتراجم الرواة والعلماء والأنساب وغيرهم؛ وإن لم يشتهر كلامه في الرواة؛ ولا يمنع كونه كذاباً من أن يكون عارفاً بالجرح والتعديل؛ وإليك بعض ما قاله فيه العلماء من جهة سعة العلم وغزارته وما يتعلق بذلك؛ إذ في تلك الأقوال ما يؤخذ منه أنه كان عارفاً بالحديث ورواته؛ قال الذهبي في (الميزان): «محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي---القاضي [هو قاضي بغداد] صاحب التصانيف وأحد أوعية العلم على ضعفه----.
قال مجاهد بن موسى ما كتبت عن أحد أحفظ من الواقدي؛ قلت: صدق كان إلى حفظه المنتهى في الأخبار والسير والمغازي والحوادث وأيام الناس والفقه وغيره ذلك.
وقال أحمد بن علي الأبار: بلغني عن سليمان الشاذكوني أنه قال: إما أن يكون الواقدي أصدق الناس، وإما أن يكون أكذب الناس، وذاك أنه كتب عنه فلما أن أراد أن يخرج بالكتاب أتاه به فسأله فإذا هو لا يغير حرفاً؛ قال: وكان يعرف رأي سفيان ومالك ما رأيت مثله قط.
وقال أبو داود: بلغني أن علي بن المديني قال: كان الواقدي يروي ثلاثين ألف حديث غريب.
وقال المغيرة بن محمد المهلبي: سمعت ابن المديني يقول: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب، ولا في شيء---.
وقال محمد بن سلام الجمحي: هو عالم دهره؛ وقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على الإسلام، كان أعلم الناس بأمر الإسلام فأما الجاهلية فلم يعلم فيها شيئاً.
وقال مصعب الزبيري: والله ما رأينا مثل الواقدي قط. وعن الدراوردي قال: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث [كذا قال!!].
وقال ابن سعد: قال الواقدي: ما من أحد إلا كتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
وقال يعقوب بن شيبة: لما تحول الواقدي من الجانب الغربي يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومئة وقر.
وقيل: كان له ستمئة قمطر كتب.
وقد وثقه جماعة فقال محمد بن إسحاق الصغاني والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه.
وقال مصعب: ثقة مأمون؛ وسئل معن القزاز عنه فقال: أنا أُسأل عن الواقدي! الواقدي يسأل عني.
وقال جابر بن كردي سمعت يزيد بن هارون يقول: الواقدي ثقة، وكذا وثقه أبو عبيد.
وقال إبراهيم الحربي: من قال إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عن أوثق من الواقدي فلا يصدق.
قال الخطيب في (تاريخه): قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها قال: وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث الكائنة في وقته وبعد وفاته وكتب الفقه (((واختلاف الناس في الحديث))) وغير ذلك إلى أن قال: وكان جواداً مشهوراً بالسخاء.
قلت: وقد سقت جملة من أخبار الواقدي وجوده وغير ذلك في (تاريخي الكبير)؛ ومات وهو على القضاء سنة سبع ومئتين في ذي الحجة، واستقر الإجماع على وهن الواقدي». انتهى.
وعلى كل حال فهذه العبارة من ابن حجر تقتضي – عند التأمل – إن كان مصيباً فيها وقاصداً لظاهرها قدحاً شديداَ في أحكام ابن سعد على الرجال، وربما اقتضت حكْماً بالترك على أحكامه فيهم؛ فتدبر ذلك؛ والله أعلم.
(2) قال ابن حجر في التهذيب (2/ 147): «لم يحتج به النسائي، وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة، وآخر في اليوم والليلة متابعة، هذا جميع ما له عنده».
(3) تفصيل الكلام على مسألة التشدد والتساهل يطول بما لا يناسب هذا المقام، فاكتفيت، لذلك، بمناقشة ما يتعلق بالنسائي وحده.
(4) تصحفت في مطبوعة (النكت) إلى (قيل).
¥