فهذان نوعان من الكتب: كتب الفضائل والآداب، وكتب السير والمناقب والفضائل؛ وهما لنوعين من أنواع علم الحديث، وهما العاشر والحادي عشر.
العاشر: تفصيل فضائل الحديث وآداب أهله.
الحادي عشر: سير ومناقب المحدثين (2).
وبهذا تتبين أقسام مكتبة الحديث باعتبار موضوعاتها الجزئية التي يتألف من مجموعها علم الحديث.
وثم اعتبار آخر في تقسيم المكتبة الحديثية وهو اعتبار له شأن أيضاً؛ وذلك أن تلك المكتبة تنقسم بحسب موضوعاتها الكبرى إلى أربعة أقسام رئيسة؛ وهي: كتب الرواية، وكتب الرجال، وكتب التخريج، وكتب المصطلح.
ولكني آثرت تقديم ذلك التقسيم التفصيلي المتقدم فإن الوقوف عليه ييسر الاطلاع على مراحل نقد الحديث بصورة لعلها تكون واضحة وجلية وغير خالية من الفائدة.
وعند التدبر يظهر أن كل قسم من تلك الأقسام الجزئية يرجع إلى واحد أو أكثر من هذه الأقسام الأربعة أو يتعلق به (3).
والآن أذكر بعض التفصيل في تقسيم المكتبة الحديثية مرتبة بحسب الأقسام الأربعة.
كتب الرواية
أما كتب الرواية فهي الكتب التي تذكر الأحاديث بأسانيدها مثل الكتب الستة والمستخرجات عليها والمسانيد والأجزاء الحديثية المسندة ومعاجم الشيوخ والمسلسلات وأنواعٍ كثيرة أخرى (4).
ويدخل في كتب الرواية كتب المتون التي حذفت أسانيدها وقد جمع المتأخرون كتباً حديثية كثيرة في جميع أبواب العلم، مشتملة على المتون دون الأسانيد مع الإبقاء على صحابي الحديث وحده في الغالب؛ ويأتي مزيد من التفصيل في الكلام عليها في ترجمتها من هذا الكتاب.
ثم الظاهر أن مما يلتحق بكتب الرواية كتب ضبط الألفاظ والأسماء وكتب التصحيف والتحريف؛ فإن هذه الكتب ونحوها إنما غايتها الاعتناء بما روي والحفاظ عليه من التغيير والخطأ (5)، وما في هذه الكتب وتلك (6) من علم هو الذي أسماه بعض المتأخرين (علم الحديث روايةً) وأطلقوا على ما سوى ذلك من علم الحديث (علم الحديث درايةً).
وأفضل وأهم كتب الرواية الكتب الستة وهي صحيحا البخاري ومسلم والسنن الثلاث سنن أبي داود والترمذي والنسائي، فهذه هي الكتب الخمسة؛ وسادسها سنن ابن ماجه. ويأتي الكلام على خصائص هذه الكتب وشروط أصحابها فيها في كتاب (التخريج).
أنواع كتب الرواية
تنقسم كتب الرواية أقساماً كثيرة، باعتبارات متعددة.
فيمكن تقسيمها من حيث مراتب القوة والضعف في الجملة، مثل الصحاح والسنن والواهيات والموضوعات.
ويمكن تقسيمها من حيث طبقات مؤلفيها وصفات أسانيدها من حيث العلو والنزول؛ كأن نقسمها إلى ما ألف في المئة الثانية للهجرة، وما ألف في المئة الثالثة، وما ألف في المئة الرابعة، وهلم جراً.
ويمكن تقسيمها من حيث مواضيعها إلى مرويات في العقيدة والسنة، ومرويات في التفسير ومرويات في الفقه العملي، ومرويات في الأذكار والأدعية، ومرويات في التزكية والرقاق، ومرويات في الأدب وغير ذلك.
ويمكن تقسيمها بحسب ترتيبها إلى قسمين: كتب موضوعات علمية ومسانيد.
ومعلوم أن التقسيم أمر اصطلاحي مراده تقريب العلم إلى المتعلم بتجزئته، وتسهيلُه على المتحفظ بضبط أنواعه؛ فيمكن للناظر في كتب الرواية أن يخطر بباله أنواع أخرى من التقسيم كثيرة جداً، سواء كانت صالحة للتطبيق أوْ لا.
وأود أن أبين في هذا الموضع جملة من ألقاب المصنفات الحديثية، فأقول:
الصحاح
هي الكتب التي يشترط فيها أصحابها الصحة في أحاديثها، والحقيقة أنه لم يسلم أمام أقلام الناقدين إلا صحيحا البخاري ومسلم، فقد وفيا بشرطهما ولاق بكتابيهما تسمية (الصحيحين). وأما سائر الصحاح المعروفة فمسماها دون اسمها ومن ذلك صحاح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم على الصحيحين؛ ويأتي تفصيل هذه المسائل في موضع آخر.
السنن
وهي الكتب التي جمعها أصحابها من الأحاديث المرفوعة مرتبة ترتيباً قريباً من ترتيب الصحيحين أو الكتب الفقهية المشهورة مثل مختصر المزني عن الشافعي وهذا المختصر هو الأصل في ترتيب كتب الفقه. ويدخل أصحاب السنن فيها في كثير من الأحيان آثاراً موقوفة أو مقطوعة كثيرة أو قليلة. وهم لا يشترطون في كتبهم الصحة بل أغلبهم يشترط القوة في الجملة لأن هذه الكتب مصنفة على الأبواب الفقهية فالأصل فيها أنها إنما ألفت للإحتجاج بما فيها بخلاف الكتب المصنفة على أسماء الصحابة أو الشيوخ فالأصل فيها أنها إنما ألفت لجمع مروياتهم،
¥