قلنا هذا باطل من وجوه اولها قد علم من حال العدول انهم يمسكون عن تعديل الراوي وجرحه فاذا سئلوا عنه جرحوه تارة وعدلوه اخرى فعلم ان امساكهم عن الجرح ليس بتعديل وكذلك امساكهم عن التعديل ليس بجرح ويدل على ذلك ايضا انه لو ساغ ان يقال ان الامساك عن الجرح تعديل لساغ ان يقال الامساك عن التعديل جرح (فبين تناقض القولين على اصل هذا المذهب وهذا الوجه الاول واما الوجه الثاني قوله):
ويدل على فساد ذلك ايضا انه قد اتفق على انه لا يقنع من المعدل للشهود اذا سئل عنهم بالامساك عن جرحهم ولا يقنع في جرحهم بالامساك عن تعديلهم دون ايراد لفظ يقع به ذلك (وهذا الجرح المحض المشار اليه انفا ويكون التصريح به بلفظ صريح كقوله اي مزكي الرواة كذاب وضعيف وما اشبهه وهذا الوجه الثاني اما الوجه الثالث). وهو قوله:ويدل على ان الامساك عن المرسل عنه ليس بتعديل له انه انه قد يمكن ان يكون الممسك غير عالم بحاله من عدالة او جرح فيمسك عن الامرين للجهل بهما. (وهذا اقوى الوجوه على الاطلاق التي ذكرها في بيان فساد القول بالاحتجاج بالمرسل مع الوجه الاول).
قال وهذا مقتضى ظاهر الحال في الامساك عن جرحه وتعديله فسقط ما قالوه.
وجميع ما ذكرناه يدل على فساد قول المخالف ان رواية العدل عمن ارسل عنه تعديل له ولانه لو كان الامر على ما ذكر لو جب اذا ترك المحدث عمن يعلم انه سمع منه مع علمه بثقته وذكره سماعه ان يكون ذلك جرحا ولما اتفق على فساد هذا وانه قد يترك العدل عمن يعرف عدالته جاز وصح ايضا عمن يعرف جرحه او عمن لا يعرفه عدلا ولا مجروحا ولا اقل من هذه الرتبة فدل على صحة ما ذكرناه (وهذا الوجه الرابع) على انا لو سلمنا للمخالف ما ادعاه من ان رواية العدل عمن ارسل عنه ممسكا عن جرحه تعديل له وبمثابة لفظه بتزكيته وانه لم يرو عنه الا هو مرضي عنده لم يجب علينا تقليده في ذلك لانه لا يجوز ان نعرفه بالفسق وما يبطل العدالة لو ذكره لنا الذي ارسل عنه وعرفنا عينه ولم نعرفه نحن ولا غيرنا بجرح (انتبه لقوله هذا وعرفنا عينه بمعنى انه ليس بمجهول ومن هنا يتضح لك نكتتة التفرقة بين هذا وهذا التي نبهت عليها في اخر الحلقة الاولى) يسقط العدالة فاما ان نقبل تعديل من لم نعرف عينه فذلك باطل فلو قال المرسل حدثني العدل الثقة عندي بكذا لم يقبل ذلك منه حتى يذكر اسمه فلعلنا وغيرنا نعرفه عند تسميته بخلاف العدالة فاذا لم يقبل النطق بتزكية من لم يذكر عينه فان الامساك عن جرحه اوهى واضعف. (يقصد في كونه عدله من خلال هذه الطريق التي فصل القول فيها).
(والوجه الخامس هو قوله) ويدل على ذلك ايضا ان شهادة شهود الفرع على شهادة الاصل في الحقوق لا تكفي في تعديل شهود الاصل وكان يجب على ما ذكره المخالف ان تكفي لان شهود الفرع اذا كانوا عدولا فلن يشهدوا عند الحاكم الا على شهادة عدول عندهم يجب الحكم بشهادتهم ولما اتفق على ان ذلك يكفي بل يجب ان يعينوا للحاكم شهود الاصل حتى يجتهد في عدالتهم لجواز ان يعرفهم الحاكم او غيره بخلاف العدالة لزم مثله فيما ذكرناه. (يعني فوجه هذا وجه هذا).
فان قال فرق بين ارسال الخبر والشهادة وهو انه قد اقتصر في الخبر اخبرنا فلان عن فلان عن فلان ولم يجز مثل ذلك في الشهادة فلما جاز ان يقبل خبر المخبر عمن يجوز ان يكون سمع منه ويجوز ان يكون حدث عنهولم يقبل مثل ذلك في الشهادة وجب افتراق الحكم في وجوب ذكر شهادة الاصل ومن ارسل الثقة عنه.
قلنا لا يجب ما قلت من وجوه احدها انه لو وجب افتراقهما لوجب افتراقهما في وجوب معرفة كونهما عدلين حتى لا يجب تعديل المحبر عنه بلفظ ولا برواية عنه وترك جرح له وان كان لا بد من تزكية الشاهد.
ولما لم يجب ذلك وكان من امسك عن ذكره مجهول العين والعدالة سقط ما ذكرت ولان قول القائل المعاصر لغيره الذي قد علم لقاؤه له وسماعه منه حدثنا فلان عن فلان عن فلان قول ظاهر يقتظي ان شيخه الذي يحدث عنه قد سمع من بعده بلا واسطة فان جاز ان يقول ثنا فلان عن فلان وبينهما رجل لم يذكره غير ان ذلك تجوزا وتوسعا وحذفا في الكلام وليس يجوز صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل فوجب لذلك حمله على ظاهره وارسال العدل عن غيره مع الامساك عن ذكره ليس بجرح له ولا تعديل في جملة ولا تفصيل بل ظاهر الحال في ذلك انه لا يعرف حاله بشيء مما بيناه قبل فبان فساد قول المخالف.
انتهى ما اراد تبيبنه من الوجوه الدالة على فساد قول مخالفه وهذا كلامه نقلته بالحرف سوى بعض ما يبين فيه حكم العنعنة تركته لعدم تعلقه بالموضوع وعلى العموم كلامه هذا في فوائد تدل على انه يفرق بين الامساك عن الراوي فيما يتعلق بالجرح والتعديل وبين المجهول الذي لم تعرف عينه وقد يستنبط غير هذا
الذي استنبطه وعلى كل فالخطيب قد لا يوافق في بعض تاصيله كما بين ذلك الحافظ ابن الصلاح وكذا الحافظ ابن رجب الحنبلي وخصوصا فيما يتعلق بمسالة زيادة الثقة ووضعه تاصيلا في الفرق بين الزيادة بالوصل والرفع وغير ذلك وذكره حكما يخالف فيه صنيع النقاد كما بين الحافظ ابن رجب وقال هذا خلا ف صنيعه في كتاب المزيد في متصل الاسانيد واقول هو خلاف صنيعه في الفصل للوصل فيما ادرج في النقل الشاهد من هذا ان الخطيب رحمه الله قد يخالف في بعض تاصيله ولكن كلامه هنا قوي جدا اذا كان يفرق بين هذا وهذا كما بينت وقد يستنبط منه انه لا يقول بان الاصل في الرواة الجرح حتى يتبين تعديلهم وهذا مذهب يحيى بن سعيد القطان وكذا علي بن المديني ويحيى بن معين وكذا البخاري فيما اعلم وهو الذي حققه شيخ الاسلام ابن تيمية مستدلا بقوله تعالى في الانسان انه كان ظلوما جهولا وسياتي تفصيل ذلك ان شاء الله في الحلقة الثالثة والمقصود من هذه الحلقة ذكر ما يستدل به على انها نوع جرح وعلى ما يستنبط المستنبط انها توقف.
¥