تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

21 - التحذير من الإسراف - أو تجاوز الضوابط الصحيحة - في إخراج بعض كلمات الناقد عن معناها المشهور في علم المصطلح، من أجل توحيد أحكامه على الراوي إذا تعددت:

إن النقاد كثيراً ما يقع منهم أن يتكرر كلام الواحد منهم في الراوي الواحد؛ وكثيراً ما يظهر بين تلك الكلمات – أو يتراءى بين تلك الأحكام – اختلاف ما، فليس من الصواب أن نبالغ في حمل جملة كبيرة من مصطلحاتهم على غير معانيها المشهورة عندهم المقررة بينهم، من أجل أن ننفي الاختلاف بين معاني كلمات ذلك الناقد في عدد يسير من الرواة.

وبعبارة أخرى: ليس كل اختلاف في كلمات الناقد في الراوي الواحد يصح أن يحمل على تساوي هاتين الكلمتين في المعنى؛ فيجعل الاختلاف لفظياً؛ بل الناقد الواحد يقع منه أحياناً، بل قد يكثر منه، أن تختلف أحكامه في الراوي الواحد؛ أعني تختلف عباراته اختلافاً معنوياً؛ ولذلك الاختلاف أسبابه وتوجيهاته؛ كما يأتي بعد قليل.

نعم قد يشذ بعضهم أحياناً قليلة فيما يستعمل له بعض الكلمات من المعاني، فيكون الخلاف بين عباراته في الراوي الواحد لفظياً؛ ولكن ذلك قليل؛ فلا بد من التثبت والمبالغة في التفتيش والاستقراء، فإن علم أن الاختلاف معنوي حكمنا به ووجهناه التوجيه اللائق بحال ذلك الناقد وحال ذلك الراوي؛ وإن عُلم أنه اختلاف لفظي حملنا معنى إحدى الكلمتين على معنى الكلمة الأخرى، ووجهنا ذلك أيضاً؛ ولكن ليعلم أنه لا يلزم من هذا الحمل هنا المساواة بين تلك اللفظتين عند ذلك الناقد مطلقاً حيث وردتا؛ فهذا اللازم باطل.

فليس اختلاف معنى الاصطلاحات عند الناقد هو السبب الوحيد في ما قد يظهر من اختلاف بين كلماته في راو بعينه؛ ولكن من علم أوجه وأسباب ما قد يقع من اختلاف أقوال الناقد في راو بعينه اتسع له ما كان ضيقاً من مجال توجيه ذلك الاختلاف وبان له ما كان خفياً من حقائقه، ولم يقتصر على ما يفعله كثير من المتأخرين من الاسترواح عند اختلاف كلمات الناقد في الراوي إلى الجمع بينها بحمل بعضها على خلاف معناها المصطلح عليه ويبالغ في ذلك ويكثر منه.

إن هذه المسألة اقتضت مني هنا نوعاً من الاستطراد بذكر أسباب اختلاف أحكام أو كلمات الناقد في رواة معينين، فأقول - وبالله التوفيق:

إن اختلاف الثقة المكثر المعتمد من النقاد في الحكم على الراوي الواحد، هو في الحقيقة أمر هين له أسبابه التي من علمها عذره وفهم مسلكه في هذه المسألة.

ومن أهم تلك الأسباب:

أن الناقد قد يتأثر حكمه أحياناً دون أحيانٍ أخرى بحديث لذلك الراوي يسمعه أو يقف عليه قبيل كلامه فيه، قال في (التنكيل) (ص225):

(ومن ذلك أن المحدث قد يسأل عن رجل فيحكم عليه بحسب ما عرف من مجموع حاله، ثم قد يسمع له حديثاً فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في ذاك الحديث، ثم قد يسمع له حديثاً آخر فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في هذا الحديث الثاني، فيظهر بين كلامه في هذه المواضع بعض الاختلاف. وقع مثل هذا للدارقطني في سننه وغيرها؛ وترى بعض الأمثلة في ترجمة الدارقطني من قسم التراجم.

وقد يُنقل الحكم الثاني أو الثالث وحده فيُتوهم أنه حكم مطلق).

وقال في (التنكيل) ص588 في ترجمة الدارقطني:

(ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين:

الأول: أن يُسأل عنه فيجيل فكره في حاله في نفسه وروايته ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم فيه ((1)).

الثاني: أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في حديث خاص من روايته ((2)).

فالأول هو الحكم المطلق الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغير الاجتهاد.

وأما الثاني فإنه كثيراً ما ينحى به نحو حال الراوي في ذاك الحديث.

فإذا كان المحدث يرى أن الحكم المطلق في الراوي أنه صدوق كثير الوهم ثم تكلم فيه في صدد حديث من روايته، ثم في صدد حديث آخر، وهكذا، فإنه كثيراً ما يتراءى اختلاف ما بين كلماته).

ثم أتى المعلمي رحمه الله بأمثلة ذلك.

أن يكون ذلك الرجل مختلفاً فيه غير واضح الأمر وضوحاً تاماً فيجتهد فيه الناقد فيختلف فيه اجتهاده إذا سئل عنه أو تكلم فيه ابتداءً في مقامين أو وقتين مختلفين؛ قال الذهبي في جزئه (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) ص172 بعد أن ذكر جملة من العلماء بالحديث ورجاله قبل ابن معين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير