تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[04 - 01 - 08, 07:20 ص]ـ

وفقك الله

الشيخ الطريفي تعرض لمسألة (حكم ما لم يخرجه البخاري ومسلم)، ولكنه لم يتعرض لمسألة (الإجماع) على ذلك أو الإجماع على عكسه.

قال الشيخ الطريفي حفظه الله:

وبالنظر إلى نهج الإمامين البخاري ومسلم يظهر أنهما قصدا استيعاب أبواب الأحكام، فهما ينتقيان أجود أحاديث الأحكام في بابها، ويتركان من الصحيح والضعيف شيئا كثيرا في ذلك الباب، وقد يكون عدم إخراجهما لشيء من تلك الأحاديث قرينة لوجود علة فيها قادحة أو غير قادحة، وما لا يوجد في الباب غيره من الأحاديث ولم يخرجاه، أو وجد في الباب غيره، لكنه دونه في الدلالة فالغالب أنه لا يخلو من علة، فلتنظر.

والأمثلة على هذا أكثر من أن تذكر، بل ذكرها تقليل لها، وإن كان ظاهرها الصحة.

وما كان ظاهره الصحة على شرطهما ولم يخرجاه، مع افتقار الباب إليه فهذا النوع في الأغلب أنه معلول، ففتش عن علته وكلام العلماء فيه، ولذلك قال الحاكم - وهو من أكثر بالاستدراك على الشيخين في هذا النوع - (معرفة علوم الحديث):

(فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحبَ الحديث التنقيرُ عن علته ومذاكرة أهل المعرفة لتظهر علته) انتهى.

وترك الشيخين لأحاديث يفتقر الباب في الأحكام إليها، ولم يخرجا في بابها شيئا، قرينة لوجود العلة فيها، وقد تكون غير قادحة، وقد تكون قادحة وهو الأغلب.

وقد قل الحافظ ابن عبد البر في التمهيد في سياق إعلاله لأخبار من هذا النوع في مسألة سقوط صلاتي الظهر والجمعة في يوم عيد لمن حضر صلاة العيد:

(ليس منها إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث، ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا، وحسبك بذلك ضعفا لها) انتهى.

بل قال ابن عبد البر أيضا في تقرير ذلك:

(إن البخاري ومسلما إذا اجتمعا على ترك إخراج أصل من الأصول فإنه لا يكون له طريق صحيحة، وإن وجدت فهي معلولة) انتهى.

ومن اطلع على سنن البيهقي، ونقده لبعض الأحاديث التي لم يرد في الصحيحين أو أحدهما في بابها بمعناها شيء منها يرى أنه يجعل عدم إخراج الشيخين لها قرينة على إعلالها، وقد قال في موضع من سننه في تعليق له على أحاديث الرش من بول الغلام والغسل من بول الجارية:

(كأنها لم تثبت عند الشافعي حين قال: ولا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة، وإلى مثل ذلك ذهب البخاري ومسلم حيث لم يودعا شيئ منهما كتابيهما) انتهى.

بل إنه جزم بذهاب الشيخين إلى هذا الحكم لأنهما لم يخرجا في هذا الباب شيئا.

وقد قال في بيان علة حديث لم يخرجه الشيخان مع كونه أصل في بابه:

(أخرج مسلم في الصحيح حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عاشة عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة، وترك هذا الحديث فلم يخرجه - يعني حديث الغسل من أربع وفيها من غسل الميت - ولا أراه تركه إلا لطعن بعض الحفاظ فيه) انتهى.

وقال أيضا:

(هذا حديث لم يخرجه البخاري ولا مسلم في كتابيهما، وأبو بكر بن أبي الجهم يتفرد بذلك، هكذا عن عبيد الله بن عبد الله)

قال الحافظ ابن حزم في الإحكام:

(هذا الخبر لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح ولكنا نتكلم فيه على علاته) انتهى.

ثم نقل كلام الحافظ ابن رجب السابق ذكره.

ثم نقل كلاما للقرطبي في تفسيره، ثم نقل كلاما لأبي داود في رسالته لأهل مكة، وعدة نقول أخرى.

ثم قال:

وعند تقرير هذا فكثيرا ما يقع الخلط واللبس عند من لا يحسن هذا الباب، بين ما يقصده الأئمة من كلامهم السابق وبين إلزامهم بالقول بعدم صحة شيء ليس في الصحيحين أو أحدهما، وهذا إلزام غير صحيح، فلا يلزم مما سبق عدم صحة شيء غير ما في الصحيحين، فالشيخان لم يستوعبا الصحيح، بل لم يقصدا ذلك أصلا، لكننا نتكلم هنا عن أصول الأحاديث، ولذلك قال البخاري نفسه:

(ما أدخلت في هذا الكتاب - يعني جامعه الصحيح - إلا ما صح وتركت من الصحاح حتى لا يطول الكتاب) انتهى.

وقال مسلم .... : (ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها ولم أقل إن ما سواه ضعيف) انتهى.

وقال مسلم أيضا:

(ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه)

ثم نقل كلاما لبعض أهل العلم، ثم قال:

ومن قال إن ما تركه الشيخان من الأحاديث مطلقا ولم يخرجاه فهو معلول، من غير تفريق بين أصول الحديث وما دونها، فهو جاهل أو مكابر، وكلامه مردود لأمور:

أولها: أن هذا يلزم منه حصول الإحاطة والعصمة للشيخين، وهذا لم يقل به أحد من أهل الإسلام مطلقا.

ثانيها: أن البخاري ومسلما أنفسهما يصححون أحاديث لا وجود لها في صحيحيهما، وقد نقل الترمذي في سننه وعلله عن البخاري تصحيح وتحسين جملة من الأحاديث لم يخرجها.

ثالثها: ما زال الأئمة متقدمهم ومتأخرهم يصححون من الأحاديث ما لم يخرجه الشيخان وهذا كثير جدا.

رابعا: أن هذا يلزم منه اتفق كل واحد من صاحبي الصحيح مع الآخر في إخراج ما يخرجه في كتابه وما لا يخرجه، كي يستوعبا الصحيح كله، وهذا لم يكن، فللبخاري أفراد عن مسلم، ولمسلم أفراد عن البخاري.

خامسها: أن البخاري ترك أحاديث قد أخرجها مسلم يرى هو إعلالها، وترك مسلم أحاديث أخرجها البخاري يرى مسلم إعلالها.

سادسها: أن هذا القول لم يقل به على هذا الوجه أحد من الأئمة معتبر.

ثم نقل كلاما في تقرير ما سبق لبعض الأئمة

جزى الله الشيخ الطريفي خير الجزاء، ونسأل الله أن ينفعنا بعلمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير