[جهود علماء دمشق في الحديث في القرن الرابع عشر الهجري ـــ د. بديع السيد اللحام (*)]
ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[06 - 01 - 06, 11:15 ص]ـ
[جهود علماء دمشق في الحديث في القرن الرابع عشر الهجري ـــ د. بديع السيد اللحام (*)]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلقد كانت السنة النبوية المرآة الصافية التي انعكست فيها آيات القرآن الكريم، فأبرزت معانيه ومكوناته وفق مراد الله تعالى، ثم تمثلت تلك الآيات في حياة النبي (واقعاً علمياً (كان خلقه القرآن) (1)،
وقد أدرك الصحابة الكرام ذلك فتمثلوا حياته (في نفوسهم حباً وفي حياتهم عملاً وتطبيقاً (وكَذَلِكَ أوحَيْنَا إليْكَ رُوحاً مِّنْ أمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بهِ مَنْ نَشِاء مِنْ عِبَادِنَا وإنَّكَ لتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقيمٍ* صِرَاطِ الله الذَّي لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأرْض ألا إلى الله تَصِيرُ الأمُورُ) (الشورى: 52 - 53) ولذلك فإن أي عناية بالسنة النبوية هي في حقيقتها عناية بالقرآن الكريم، وكل جهد يبذل في سبيل تنقيتها وتجليتها وتقديمها للدارسين والعاملين هو في الواقع جهد مبذول للعناية بكتاب الله تعالى، ومن أجل هذا ولإبراز دور علماء دمشق في خدمة الحديث الشريف والعناية به وتقديراً لجهود العلماء واستنهاضاً للهمم وشحذاً للملكات رأيت أن أوجه عنايتي لهذا البحث الذي أسأل الله تعالى أن يجعله في حرز القبول، وأن يكون هذا العمل باعثاً ودافعاً لأبناء هذا البلد أن يتابعوا السير وينهضوا بعبء الدفاع عن حديث النبي (وسنته المطهرة في وجه الحملات المسعورة للتقليل من شأنها وصرف الناس عن ا لعمل بها، وليعملوا على بعث الكنوز المدفوعة والذخائر الموروثة من بعد طول رقاد، لأن في إحيائها تجديداً للدين على وجه الحقيقة، وهذا التجديد في عزة الإسلام وتقدم المسلمين إذا أصبحت السنة قولاً وعملاً في حياتنا ونفوسنا، وقد عنونته بـ:
جهود علماء دمشق في الحديث في القرن الرابع عشر الهجري
ولم أتوقف عند حدود القرن الرابع عشر بل تجاوزته إلى أيامنا هذه، ولم أحاول استيعاب واستقراء كلَّ ما قدَّمه علماء دمشق من جهود بل انتقيت واخترت، وأما الاستقراء التام فإنَّني أكاد أجزم انَّه من الصعوبة بمكان، ولكنني قدَّمت شيئاً من جهدٍ أرجو من الله تعالى أن يوفقني لمتابعته في قادمات الأيام إنه على كل شيء قدير.
وقد افتتحت بحثي هذا بتمهيد موجز أشرت فيه إلى فضيلة دمشق بين البلدان.
ثم أتبعته مباشرة بترجمةِ وجوه العلماء المشتغلين بالحديث في القرن الماضي بدمشق، حاولت أن أركز اهتمامي على بعض المعتنين بالحديث رواية وتدريساً بشكل رئيس.
وبعد ذلك ذكرت وجوه عناية الدمشقيين بالحديث، فعدَّدت هذه الوجوه، ثمَّ سردت شذرة منوعة من مصنفاتهم في الحديث النبوي وعلومه.
أسأل الله أن يجعل هذا العمل في حرز القبول وأن يثيبني عليه ويوفقني لخدمة دينه الحنيف وسنة نبيه وخليله سيدنا محمد (.
تمهيد:
من المعروف لدى المطلعين على ما ورد في باب الفضائل من الحديث النبوي أنَّ من أصح ما ورد في فضائل المدن بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة هو ما ورد في فضائل الشام بعامة ودمشق بخاصة، من ذلك قول النبيُّ (: [الشَّام صفوةُ الله مِنْ بلادِهِ إليْها يَجْتبي صَفْوَتَه مِنْ عِبادِهِ فَمَنْ خَرجَ مِنَ الشَّامِ إلى غيرها فبسخْطَةٍ، ومَنْ دَخَلَها مِنْ غيرِها فَبرَحمَةٍ] (2). وإذا كانت الشام هي الصفّوة فإنَّ دمشقَ هي صفوة الصَّفوةِ من بين مدائن الشَّام، وذلك بإخبار من لاينطق عن الهوى (إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى ((النجم:4) إذ يقول (: [إنَّ فُسْطَاطَ المُسْلِمين يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالغوُطَةِ إلى جانب مَدْينَةٍ يُقَالُ لهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مدَائِن الشَّام] وفي رواية الحاكم: "خير منازِلِ المُسْلمين" (3). قال العلقمي: هذا الحديث يدل على فضيلة دمشق وعلى فضيلة سكانها في آخر الزمان، وأنَّها حصنُ من الفتن (4).
¥