تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أظنني بحاجة إلى التنبيه هنا إلى أن ابن القطان قد وقع، في استدراكاته على أبي محمد، في بعض الوهم؛ لأنه من المعلوم المقطوع به أنه ليس أحد من العلماء معصوماً من الخطأ؛ ولكن لا شك أن ابن القطان كان في علم النقد الحديثي أكثر علماً واطلاعاً وأبعد عمقاً واتساعاً وأكثر اجتهاداً وأحسن تحقيقاً وأكمل تدقيقاً؛ فأحكامه على الأحاديث هي في الجملة أقرب إلى الصواب من أحكام أبي محمد.

9 - عبد الحق الاشبيلي يقبل رواية المساتير الذين روى عنهم أكثر من واحد، وسكت عن أحاديث كثير منهم لذلك؛ وأما ابن القطان فيرى كما قال محققه كتابه (1/ 198) (أن المساتير مجهولو الأحوال، فأحاديثهم ليست صحيحة، وإنما هي من قبيل الحسن على مضض).

وهذا القول من المحقق فيه نظر، فإن ابن القطان قد قال في رواية المستور بعد أن ذكر الخلاف فيها، وبعد أن عرفه بقوله (فأما المستور فهو من لم تثبت عدالته لدينا ممن روى عنه اثنان فأكثر):

(والحق في هذا أنه لا تقبل روايته، ولو روى عنه جماعة، ما لم تثبت عدالته؛ ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه، مهملاً من الجرح والتعديل، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم).

10 - قال ابن القطان (5/ 431) وهو يذكر مسألة التعارض بين الوصل والإرسال: (وأبو محمد رحمه الله قد اضطرب أمره في هذا الأصل، فرده في موضع، وعمل به في موضع)؛ ثم ضرب ابن القطان أمثلة هذا وذلك، من الأحاديث.

11 - قال أبو محمد في مقدمته: (وقد يكون حديث بإسناد صحيح، وله إسناد آخر أنزل منه في الصحة، لكن يكون لفظ الإسناد النازل أحسن مساقاً أو أبين، فآخذه لما فيه من البيان وحسن المساق، إذ المعنى واحد، إذ هو صحيح من أجل الإسناد الآخر؛ [أقول: هذا فيه نظر]؛ أو يكون حديث تعضده آية ظاهرة البيان من كتاب الله تعالى، فإنه – وإن كان معتلاً – أكتبه، لأن معه ما يقويه ويذهب علته [قلت: هذا ليس بصحيح]؛ وهذا النوع المعتذر عنه في هذا المجموع قليل.

12 - يظهر من كلام أبي محمد عبد الحق أنه يسكت على الأحاديث الصحيحة، أو المحتج بها عنده في الجملة، بشرط أن لا يسوق إسناده أو قطعة من إسناده؛ قال ابن القطان (3/ 361 - 362) (1106): (وذكر] أبو محمد]، من طريق أبي داود، عن زر بن حبيش أنه سمع علياً، وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث؛ ثم قال [أي أبو محمد]: هذا يرويه ربيعة بن عبيد الله الكناني عن المنهال بن عمرو.

كذا أورده، ولم يزد على هذا.

وليس لقائل أن يقول: "هو عنده صحيح، فإنه سكت عنه"؛ لأنه قلما يذكر من الحديث إسناده أو قطعة من إسناده، إلا ليعين موضع النظر فيه، إلا أنه لم يبين في هذا موضع النظر.

فاعلم أنه حديث ذكره أبو داود هكذا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو نعيم، حدثنا ربيعة الكناني، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش؛ فذكره.

وربيعة بن عبيد [وقيل: عتبة] وثقه ابن معين، وأخرج له البخاري [هذا وهم، فهو لم يخرج له].

وليس في الإسناد من يسأل عنه غير المنهال بن عمرو، فمن أجله – والله أعلم – جعل الحديث مما ينبغي أن ينظر فيه؛ فإن شيخه ومعتمده في التصحيح والتضعيف أبا محمد بن حزم يضعف المنهال بن عمرو هذا------).

قلت: في هذا الكلام فوائد:

الأولى: أن الأصل فيما سكت عليه الاشبيلي ولم يسق شيئاً من إسناده هو الصحة.

الثاني: أنه إذا أبرز السند كله أو قطعة منه فإنما مراده بذلك هو انتقاده بالكلام على موضع تعليله، أو بالإشارة إلى ذلك إن كان بعض رواته مشهوراً بالضعف.

الثالث: أنه إذا أبرز السند أو بعضه ولم يبين موضع النظر فيه، فمقصده حينئذ بيان أن في إسناده من ينظر فيه.

الرابع: أنه يكثر منه متابعة ابن حزم في تضعيف وتوثيق الرواة؛ وأن ابن القطان لا يرتضي ذلك.

13 - وقال ابن القطان في بعض المواضع من كتابه [عزاه محقق الكتاب (1/ 200) إلى الحديث (2590) وليس هناك]: (وأبو محمد خرج من أمره أنه كثير التقليد في أمر الرواة، من غير بحث منه).

14 - وقال محمد عوامة في مقدمته على (التقريب): (معلوم أن عبدالحق يعتمد على ابن حزم في أقواله كثيراً).

تنبيه: وقع في ترجمة محمد بن حماد الطهراني من (تحرير التقريب) (3/ 232) خطأ يظهر أنه طباعي، إذ قالوا: (هذا شيء تفرد به عبدالحق الاشبيلي في (الأحكام) وتابعه ابن حزم----)، فلا شك أن المراد العكس.

15 - وقال ابن القطان في موضع آخر من كتابه: (وهو لا يذكر من التعليل إلا ما يجد لغيره، كيفما كان).

16 - قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص179): (وجلالة عبد الحق لا تخفى، فقد اعتمده الحفاظ في التعديل والتجريح ومدحوه بذلك، كالحافظ ابن حجر وغيره، وأما الفقهاء كابن عرفة وخليل وابن مرزوق وابن هلال وغيرهم فاعتمدوه من غير نزاع بينهم، بل اعتمدوا سكوته على الحديث لأنه لا يسكت إلا على الصحيح والحسن، كعادة ابن حجر في (فتح الباري)، فإنه لا يسكت إلا على ذلك كما نص عليه في مقدمته).

17 - وأخيراً فإن أردنا تصنيف أبي محمد عبد الحق ضمن أحد ثلاثة أصناف من النقاد (أهل الاعتدال، وأهل التشدد، وأهل التسهُّل) فأولى هذه الأصناف به وأليقها بحاله هو ثالثها، وإن لم يكن من أصحاب التساهل الفاحش في النقد، هو قريب في طريقته من الزيلعي والسخاوي والمناوي وأشباههم، وليس هو مثل السيوطي وأشكاله.

اللهم ارحم العلامة المحدث الزاهد عبدالحق الاشبيلي، ونحن فارحمنا يا رب، إنك أنت الغفور الرحيم.

*****

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير