تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام البيهقي (كما في مقدمة ابن الصلاح ص120): «الأحاديث التي صَحّت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دوّنت وكُتِبَتْ في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم، لضمان صاحب الشريعة حفظها. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يُقبل منه. ومن جاء بحديث معروفٍ عندَهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره». والإمام البيهقي المتوفي سنة (458هـ) كان يتكلم عن عصره (قال: فمن جاء اليوم)، فما بالك بعصر ابن عساكر المتوفى سنة (571 هـ) ومن جاء بعده؟

شبهات وردود

1) قال بعضهم: وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف حديث وكسر. فحديث أبي هريرة وحده أكثر مما في الصحيحين.

والجواب من وجوه:

يدخل في مصطلح "حديث" عند المتقدمين: كلّ ما وصلهم بسند، ومنه المرفوع والموقوف والمقطوع وأقوال العلماء الفقهية والمغازي سواء كانت صحيحة أم لا. ولذلك فإن الإمام أحمد كان يحفظ مليون حديث، فلماذا قال إنه لم يصح منها سوى 4400؟ والإمام أبو داود كان يحفظ نصف مليون، فلماذا قال إنه لم يصح سوى 4000؟

مرويات أبي هريرة (رضي الله عنه) الـ5374 تشمل المكرر والصحيح وغيره. وقد جزم شيخهم اللص علي الحلبي في مقدمة "الصحيفة الصحيحة" أن أحاديثه من غير المكرر لا تزيد على 2000 حديث، وهذا يشمل الصحيح وغيره. ويكاد كلها يكون قد روي من حديث صحابة غيره، كما حققه أحد الباحثين، وهي فائدة هامة.

المتتبع لروايات أبي هريرة t في الكتب التسعة (الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد والدارمي) يجد أن أغلب الصحابة اشتركوا مع أبي هريرة في كل رواياته ما عدا ثماينة أحاديث فقط! والثمانية هي:

1 - (بينما رجل راكب بقرة) إلى آخر الحديث، سنن الترمذي المناقب حديث رقم 3610

2 - (قرأ رسول الله (يومئذ تحّدث أخبارها)، سنن الترمذي صفة القيامة حديث رقم 2353

3 - (أتدرون من المفلس ... )، صحيح مسلم، البر والصلة، حديث رقم 4678

4 - (أول من يُدعى يوم القيامة .. )، مسند أحمد، باقي مسند المكثرين حديث رقم 8558

5 - (أظلكم شهركم ... )، مسند أحمد، باقي مسند المكثرين حديث رقم 10365

6 - (أعذر الله إلى امرئ .. )، صحيح البخاري، الرقاق، حديث رقم 5940

7 - (أقرب ما يكون العبد .. )، صحيح مسلم، الصلاة، حديث رقم 744

8 - (بينا أيوب يغتسل .. )، صحيح البخاري، الغسلل، حديث رقم 270

والمعنى أنّ كل حديث في الكتب التسعة غير هذه الأحاديث الثمانية فإنه يوجد صحابي أو أكثر قد اشترك في رواية الحديث مع أبي هريرة، فلم ينفرد أبو هريرة إلا بهذه الثمانية فقط (في الكتب التسعة). وهناك كتاب لمحمد يماني عن أبي هريرة t كان يضع فيها أحاديث أبي هريرة بالنص ويضع مقابلها نفس الروايات لكن من رواية غيره، ثم خلص إلى النتيجة السابقة.

2) قال بعضهم: قال البخاري: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه.

والجواب على ذلك: نقل ابن حجر في "هدى الساري" (ص18) عن الإسماعيلي أن البخاري قال: «لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر ... ». وقال: «ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول». وفي بعض الروايات: «لملال الطول». والمراد: أنه ترك ذكر كثير من الأحاديث الصحيحة في كتابه، خشية أن يطول الكتاب فيمل الناس من طوله.

وعنه: «صنفت الجامع من ستمئة ألف حديث، في ست عشرة سنة. وجعلته حجة فيما بيني وبين الله». وكلمة "حديث" في اصطلاح المتقدمين من علماء الحديث معناها الإسناد. فيكون للمتن الواحد أسانيد كثيرة. وكل إسنادٍ يسمى حديث. فالبخاري لم يرد أن يذكر لكل متن كل الأسانيد التي وصلت إليه. فهذا ما قصده من كلمة "حديث" بدليل أنه قال: «أحفظ مئة ألف حديث صحيح، ومئتي ألف حديث غير صحيح». وقد ذكر الذهبي أن ما صح من ذلك (من المتون بغير تكرار) أقل من عشر معشار ذلك (أي أقل من عشرة آلاف). ولذلك قال الإسماعيلي: «لأنه لو أخرَجَ كل صحيحٍ عنده، لجمع في الباب الواحد حديث جماعةٍ من الصحابة، ولذَكَرَ طريقَ كُل واحدٍ منهم إذا صحّت، فيصير كتاباً كبيراً جداً».

وقال مسلم في صحيحه: «ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه». أي: ما وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليها. وإذا فقد صحح أحاديث اتفق العلماء قبله على ضعفها. وصحح أحاديث لم يصححها أحد قبله. وقال: «لو أن أهل الحديث يكتبون مئتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند»، يعني صحيحه. وهذا يدل على أنه استوعب غالب الصحيح.

والخطأ من الذاكرة

وجزاكم الله خيرا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير