وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ (الآل)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد))، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 3/ 214 بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة.
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه جلاء الأفهام ص:331 ـ 333 للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه صلى الله عليه وسلم في آل بيته قوله: قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح ـ وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله ـ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتاً))، وقوله في الأضحية: ((اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد))، وفي قول عائشة رضي الله عنه: ((ما شبع آلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُبز بُرٍّ))، وفي قول المصلِّي: اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ولا يَدخُلْنَ في قوله: ((إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد))، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها؟!
فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حراماً عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهي مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالةِ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه صلى الله عليه وسلم، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلاً استتبَع ذلك مواليهم، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَعاً لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: ((يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)) وساق الآيات إلى قوله تعالى: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ))، ثم قال: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم.
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه حديث رقم 1650، والترمذي حديث رقم 657، والنسائي حديث رقم 2611 بإسنادٍ صحيح ـ واللفظ لأبي داود ـ عن أبي رافع: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم، فقال لأبي رافع: اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها، قال: حتى آتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله، فقال: مولَى القوم مِن أنفسِهم، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة.
وروى محمد بن سليمان الكوفي ان حصين بن عقبة سأل زيد بن ارقم (من اهل بيته؟ أليس نساؤه من اهل بيته؟ قال: ان
نساءه من اهل بيته ولكن اهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده، فقال له حسين من هم يا زيد؟ قال: هم آل علي وآل
جعفر وآل عقيل وآل العباس) (مناقب امير المؤمنين رضي الله عنه) 2/ 116).
واشار الى هذا الاربلي في كشف الغمة وانظر (بحار الانوار للمجلسي 25/ 237).
وكذلك الحافظ الحلي ذكر ذلك وقال عند قوله تعالى (ولذي القربى) قال: يعني قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
قال: وهم آل علي عليه السلام وآل العباس رضي الله عنه وآل جعفر وآل عقيل رضي الله عنهما ولم يشرك بهم غيرهم،
وهذا وجه صحيح يطرد على الصحة لأنه موافق لمذهب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدل عليه ما هو مذكور عندهم)
قال الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى في تفسير القرآن العظيم:
وقوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير، من إقامة الصلاة -وهي: عبادة الله، وحده لا شريك له -وإيتاء الزكاة، وهي: الإحسان إلى المخلوقين، {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وهذا من باب عطف العام على الخاص. وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح.
نقله أبو عمر عفا الله عنه وعن والديه
¥