أهم فضائل هذا الإمام – بعد الإيمان والورع - أنه أمير المؤمنين في الحديث، ورأس علماء الرجال والعلل؛ وأول من توسع في نقد الرواة؛ وعنه أخذ الناس هذا العلم الشريف، فهو الذي شيد أركان مدرسة الجرح والتعديل، في العراق، بل في العالم كله؛ بعد أن استبانت له أصولها التي فهمها جيداً وأتقنها إتقاناً، واتضحت له أسسها التي ثبَّتها أسلافُه؛ فقام - بعزم وجد وثبات واحتياط - يشيّد من فن النقد أركانه، ويقيم على أسسه بنيانه، يفعل ذلك حسبة وديانة، وأداء لحق النصيحة والأمانة.
أخرج الخطيب عن أبي زرعة قال: حدثنا مقاتل بن محمد قال سمعت وكيعاً يقول: إني لأرجو أن يرفع الله لشعبة في الجنة درجات بذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال (1/ 126): في أول (باب ما ذكر من علم شعبة بن الحجاج رحمه الله وما فتح الله عز وجل عليه من المعرفة بصحيح الآثار وسقيمها وبناقلتها):
(نا محمد بن مسلم قال سمعت أبا زياد حماد بن زاذان قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول شعبة إمام في الحديث).
وقال (1/ 126): (نا أبي نا أبو بكر بن أبى الأسود نا عبد الرحمن بن مهدى قال كان سفيان يقول شعبة أمير المؤمنين في الحديث)؛ قال أبو محمد [ابن أبي حاتم]: (يعنى فوق العلماء في زمانه).
وقال (1/ 126 - 127): (ذكره أبى نا محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة قال: (قدمت الكوفة فأتيت سفيان الثوري فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل البصرة؛ قال: ما فعل أستاذنا شعبة).
وقال (1/ 127): (نا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي، يعني ابن المديني، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان شعبة أعلم الناس بالرجال، وكان سفيان صاحب أبواب).
وقال (1/ 127): (نا صالح بن احمد بن حنبل نا على بن المديني قال سمعت بهز بن أسد قال حدثني عبد الله بن المبارك قال حدثني معمر أن قتادة كان يسأل شعبة عن حديثه يعنى حديث نفسه).
قال أبو محمد: (وكان قتادة بارع العلم نسيج وحده في الحفظ في زمانه لا يتقدمه كبير أحد، فحلَّ شعبة من نفسه محلا يرجع إليه في حديث نفسه).
وقال (1/ 128): (نا على بن الحسن ثنا أحمد، يعني ابن حنبل، ثنا أبو داود قال قال شعبة: كنت أعرف إذا جاء، يعني إذا حدث، قتادة ما سمع مما لم يسمع).
وقال (1/ 128): (نا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب يعني أحمد بن حميد قال: قال أحمد بن حنبل: شعبة أعلم بحديث الحكم، ولولا شعبة ذهب حديث الحكم، ولم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثاً منه؛ كان قسم له من هذا حظ؛ وروى عن ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة لم يرو عنهم سفيان).
وقال (1/ 175): (ذكره عبد الله بن بشر البكري الطالقاني سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول سمعت عفان يقول سمعت يحيى بن سعيد، يعني القطان، يقول: ما لقيت أحداً أحسن حديثاً من شعبة؛ وقال أحمد بن حنبل: روى شعبة عن نحو من ثلاثين شيخاً لا يروى عنهم سفيان الثوري؛ لو لم يكن إلا الحكم بن عتيبة؛ ولولا شعبة من كان يروي عن الحكم؛ وشعبة حسن الحديث عن أبي إسحاق، وعن كل من يحدث عنه).
[قلت: كلمة حسن هنا تؤدي معناها اللغوي لا الاصطلاحي؛ إلا إذا أريد بالحسن التفرد بالحديث أو بإتقانه، فهذا بعض المعاني الاصطلاحية لحسن الحديث].
وقال (1/ 128): (سمعت أبى يقول إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة إلا نفراً بأعيانهم قيل لأبي: ألم يكن للثوري بصر بالحديث كبصر شعبة؟ قال: كان الثوري قد غلب عليه شهوة الحديث وحفظه؛ وكان شعبة أبصر بالحديث وبالرجال؛ وكان الثوري أحفظ؛ وكان شعبة بصيراً بالحديث جداً، فهماً له، كأنه خُلق لهذا الشأن).
وقال (1/ 128): (نا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي، يعني ابن المديني: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: الزهري وعمرو بن دينار وقتادة ويحيى بن أبى كثير وأبي إسحاق والأعمش؛ ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف؛ فمن أهل البصرة شعبة بن الحجاج وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة ومعمر وأبو عوانة).
وأخرج الخطيب عن أحمد بن خلف أخبرنا محمد بن القاسم قال ذكر شعبة بن الحجاج عند أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري فقال أبو زيد هل العلماء الا شعبة من شعبة.
وأخرج عن ابن المبارك قال: كنت عند سفيان فأتاه موت شعبة فقال: اليوم مات الحديث.
¥