فقال العراقي فيما نقله عنه السيوطي في (زهر الربى) (1/ 10): (هذا مذهب متسع)؛ وقال ابن حجر في (النكت) (1/ 482): (وما حكاه ابن الصلاح عن الباوردي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه فإنما أراد بذلك إجماعاً خاصاً، وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه؛ ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن؛ ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد من أحمد؛ ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري، وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه"؛ فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلاً فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد).
ومما قد يعُدّ تشدداً من شعبة ما رواه الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/ 90) عن الأصمعي قال: كان رجل يتهم في الحديث، فقيل لشعبة: ألا تحدث عن فلان؟ فقال: لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عن فلان؛ قال شعبة: من حدث عن رجل وهو يرى أنه يكذب فهو أحد الكاذبين)؛ ولكني لا أرى هذا تشدداً، بل هو عين الاعتدال وأكمله، يدل على ذلك مطابقته لمعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين).
&&&&&
(11)
وقوع الوهم منه في الأسماء أحياناً رغم إمامته وحفظه وتثبته
اشتهر عند أهل الحديث أن شعبة كان يخطئ في الأسماء؛
وأخرج الخطيب عن الآجري قال: سمعت أبا داود قال: لما مات شعبة قال سفيان: مات الحديث؛ قلت له: هو أحسن حديثاً من سفيان؟ فقال: ليس في الدنيا أحسن حديثاً من شعبة، ومالك على القلة، والزهري أحسن الناس حديثاً؛ وشعبة يخطئ فيما لا يضره ولا يعاب عليه يعني في الأسماء.
وقال العجلي في الثقات – كما في ترتيبها 728 - : (شعبة بن الحجاج يكنى أبا بسطام واسطي سكن البصرة ثقة في الحديث تقي، وكان يخطىء في بعض الأسماء)؛ وفي موضع: (ثبت نقي الحديث كان يخطىء في أسماء الرجال قليلاً).
وروى الخطيب عن أبي بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئاً قليلاً، وربما وهم في الشيء.
وقال الذهبي في (السير): (قال أحمد بن حنبل: كان غلط شعبة في الأسماء).
ونقل المزي في (تهذيب الكمال) في ترجمة عبد الله بن يزيد النخعي الكوفي - وهو من شيوخ شعبة - عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أن شعبة يخطئ في هذا، يقول: عبد الله بن يزيد؛ وإنما هو سلم [تصحفت في بعض الكتب إلى مسلم] بن عبد الرحمن النخعي).
وبين الخطيب في (موضح أوهام الجمع والتفريق) (2/ 59 - 60) في ترجمة خالد بن علقمة الهمداني الكوفي أن شعبة كان يخطئ في اسمه ونسبه، فيسميه مالك بن عرفطة، وهو من شيوخ شعبة.
وقال ابن حجر في (التهذيب): (وأما ما تقدم من أنه كان يخطىء في الأسماء فقد قال الدارقطني في «العلل»: كان شعبة يخطىء في أسماء الرجال كثيراً لتشاغله بحفظ المتون).
قلت: في قول الدارقطني (كثيراً) نظر، كما لا يخفى عند التأمل، بل كان يخطئ قليلاً، كما قال العجلي وأبو داود؛ بل الذي أظنه هو أن شعبة أخطأ في أسماء قليلة صحفها، لم يهم في تعيين راو، ولا سمى راوياً بإسم راو آخر، بل صحف تصحيفاً قريباً في أسماء عدد قليل من المقلين من الرواة، وأكثر ذلك في أصحاب الأسماء الغريبة أو القليلة الشيوع؛ وذلك لشدة وثوقه بحافظته وعدم الكتابة من جهة، ولكثرة مبالغته في الاعتناء بضبط السند عموماً، وضبط تفاصيل المتن، من جهة أخرى، والمبالغة في النظر إلى أحوال الرواة، من جهة ثالثة؛ يضاف إلى ذلك كله قلةُ أسماء الرواة الذين ارتضاهم فروى عنهم، فهذه القلة جعلته مطمئناً إلى حفظه للأسماء، ولم تؤدِّ به إلى الشعور بالحاجة إلى الاحتياط التام والمبالغة في تحفظ الأسماء، فوقع شيء من أوهام؛ وذلك بخلاف من خشي الوهم بسبب نقص حفظه وكثرة الأسماء التي أخرج لها، كما في عصر الإمام أحمد ومن جاء بعده؛ والرواة لم يزالوا في ازدياد.
¥