والعجيب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في مصنفه ولا تفسيره ولا جامعه، وأعجبُ من هذا أن بعض الشناقطة صدّق هذا العزو المخطئ، فركّب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له.
فجابرٌ رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابنُ العربي الحاتمي، فلا أدري عمّن تلقّاه! وهو ثقة، فلا بدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وَضَعه".
وقال عبد الله الغماري في إرشاد الطالب النجيب إلى ما في المولد النبوي من الأكاذيب (ص9 و10): "بيان الأحاديث المكذوبة، منها وهو أشهرها حديث: أول ما خلق الله نور نبيك من نوره يا جابر، عزاه السيوطي في الخصائص الكبرى لمصنف عبد الرزاق، وقال في الحاوي في سورة المدثر من الفتاوى القرآنية: ليس له إسناد يُعتمد عليه. وهذا تساهل كبير من السيوطي، كنتُ أنزهه عنه.
أما أولاً: فالحديث غير موجود في مصنف عبد الرزاق ولا في شيء من كتب الحديث.
أما ثانياً: فإن الحديث لا إسناد له أصلا.
وأما ثالثاً: فإنه ترك بقية الحديث، وهي مذكورة في تاريخ الخميس للديار بكري، ومن قرأها يجزم بأن الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء شخص فيلالي من ذرية الشيخ محمد بن ناصر الدرعي، فألف كتاباً سماه: (التوجيه والاعتبار إلى معرفة القدر والمقدار) وموضوعه الكلام على النور المحمدي، أتى فيه بطامة كبرى! حيث قال في أوله: ومن أدلة سبقيته وأصليته حديث الإمام عبد الرزاق في مصنفه الشهير، عن سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم أحد أعلام المدينة، عن محمد بن المنكدر شيخ الزهري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر! إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، وذكر بقية الحديث.
وقد تعجبت من وقاحة هذا الشخص وجرأته، حيث صنع هذا الإسناد الصحيح لحديث لا يوجد في مصنف عبد الرزاق ولا غيره من كتب الحديث المسندة! وهذه جرأة غريبة تشبه جرأة الخوارج في وضعهم أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: (من كذب عليّ فليتبوأ مقعده في جهنم). فأجاب: نحن لا نكذب عليه، ولكن نكذب له؟! ولعل هذا الموريتاني يعتقد أنه كذب للنبي صلى الله عليه وسلم"!
فأقول: انظر إلى تضارب الكذابين، فذاك الشنقيطي اختلق له سنداً، وبينما وضع له الهندي صاحب الحميري سنداً آخر إلى ابن المنكدر! وكلا الكاذبين يصح عنه وصف الغماري بالوقاحة والجرأة!!
وللغماري كلام كثير في تكذيب الحديث، منها في رسالته رفع الإشكال (ص45)، وله مقالات وردود متعددة حول الحديث في مجلة الإسلام المصرية سنة 1353، وإنما أطلتُ في نقل أقواله لأنه شيخ محمود سعيد ممدوح، ومقدّس عنده وعند الحميري، والأول يعرف كلامه ربما أكثر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأنا أتيقن أنه يعلم حال الحديث من شيخه على أقل الأحوال، لكنه كتم ذلك وتواطأ على ترويج الكذب نفاقاً ومداهنة لسيّده الحميري!
كذلك ألّف أبو عمر محمد العطايا رسالة موجزة عن الحديث.
• وأبطله قبلهم السيوطي في الحاوي في الفتاوي (الفتاوى القرآنية، آخر سورة المدثر 2/ 43 دار الكتاب العربي) وفي قوت المغتذي، ونص أنه لا سند له وأنه لا يثبت، ومعلوم سعة اطلاع السيوطي.
وضعّفه الشيخ ابن عجيبة المغربي في شرح الحكم العطائية (كما في تنبيه الحذاق)، وممن نص على بطلانه ووضعه وأنه لا أصل له: محمد رشيد رضا في الفتاوى (2/ 447)، وأحمد الغماري (المقدّس عند الحميري وممدوح) في مقدمة كتابه المغير (6 و7)، والعلامة الشقيري في السنن والمبتدعات (93)، وسماحة الشيخ ابن باز في مقدمته لتنبيه الحذاق، وفي مجموع فتاويه (25/ 130)، ومحدث العصر الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 207 و741 المكتب الإسلامي، 1/ 258 و820 المعارف)، وعبد العزيز السدحان في كتابه تحت المجهر (66)، وعداب الحمش في كتاب النور المحمدي، وغيرهم.
بل إن بعض رفقاء الحميري وممدوح في أصول الاعتقاد والخرافة يصرحون بكذب حديث النور، منهم عبد الله الحبشي الهرري، وحسن السقاف، والأخير ألف رسالة مفردة في إبطالها، وهي مطبوعة. (وشهد شاهد من أهله)!
¥