ونصل الآن إلى الحديث الذي وضع الجزء كله من أجله «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر».
المطلب الثاني:
في بيان حال حديث النور المحمدي
لا شك أن نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ساطع على الأمة بما جاءنا به من الهداية من ربه سبحانه وتعالى, قال عز وجل: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين» ولسنا في صدد تقرير ذلك فهو أوضح من أن يُستدلّ له, ولكنا نقول: إن محبتنا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمنا له لا يحتاج إلى الموضوعات والمناكير ذات المعاني الباطلة المخالفة للكتاب والسنة, فالأدلة الصحيحة المتكاثرة في الكتاب والسنة تغنينا عن مثل ذلك, وقدر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقص إذا تصدينا لهذه الموضوعات بالبيان والتحذير.
من هنا نقول: إن حديث أولية النور المحمدي هو مما وضعه الغلاة من جهلة المتصوفة المتأخرين, فلم يذكره أهل الحديث المتقدمون ولا الصوفية المتقدمون في كتبهم, ولم يُعرف هذا المتن إلا في القرن السابع وما بعده.
وقبل أن أخوض في أدلة هذا الكلام أورد نص الحديث كاملاً كما ورد في الجزء المفترى لأن من تذوق الألفاظ النبوية وذاق حلاوتها يعلم بالضرورة أنه لا يمكن أن يصدر مثل هذا الحديث عن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام, وإنما أورده هنا كاملاً لأن الكثيرين ممن يروونه ويدافعون عنه لا يحفظون منه إلا قطعة من أوله هي: «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر» , والتي قد لا يستنكرها السامع قبل التدبر والبحث.
«عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن جابر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى؟ فقال: هو نور نبيك يا جابر خلقه الله, ثم خلق فيه كل خير, وخلق بعده كل شيء, وحين خلقه أقامه قدامه من مقام القرب اثني عشر ألف سنة, ثم جعله أربعة أقسام فخلق العرش /والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم, وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف, ثم جعله أربعة أقسام فخلق القلم من قسم, واللوح من قسم, والجنة من قسم, ثم أقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء, والشمس من جزء, والقمر والكواكب من جزء, وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة, ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحكمة والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ثم نظر الله عز وجل إليه فترشح النور عرقاً فقطر منه مائة ألف وعشرون ألف وأربعة آلاف قطرة من نور, فخلق الله من كل قطرة روح نبي, أو روح رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة, فالعرش والكرسي من نوري والكروبيون من نوري والروحانيون والملائكة من نوري والجنة وما فيها من النعيم من نوري, وملائكة السموات السبع من نوري, والشمس والقمر والكواكب من نوري, والعقل والتوفيق من نوري, وأرواح الرسل والأنبياء من نوري, والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري, ثم خلق الله اثني عشر ألف حجاب فأقام الله نوري وهو الجزء الرابع, في كل حجاب ألف سنة, وهي مقامات العبودية والسكينة والصبر والصدق واليقين, فغمس الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض فكان يضيء منها ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم, ثم خلق الله آدم من الأرض فركب فيه النور في جبينه, ثم انتقل منه إلى شيث, وكان ينتقل من طاهر إلى طيب, ومن طيب إلى طاهر, إلى أن أوصله الله صلب عبد الله ابن عبد المطلب, ومنه إلى رحم أمي آمنه بنت وهب, ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين، وهكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر».
فهذا هو متن الحديث الذي يدافع عند المدافعون, ومن المعلوم أن أول من عزاه إلى عبد الرزاق ـ خطأً ـ هو العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية (1/ 71) ولكن الخلاف بين السياقين واضح بيّن, فهذا سياق القسطلاني فيما يلي فقارن بينهما.
قال القسطلاني:
¥