تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجوابه أن الحكم على الحديث إنما يؤخذ من أهله, والكشف ليس حجة شرعية بالإجماع, ولا هو من مصادر الحكم على الحديث وتمييز صحيحه من سقيمه, وهذا الإمام الشعراني أحد كبار الصوفية المعتبرين يقول:

«دوروا مع الشرع كيف كان لامع الكشف فإنه قد يخطئ».

نقله عنه ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (8/ 374) في ترجمة الشعراني.

ولست أطيل في مناقشة ذلك, إنما أحيل إلى ما كتبه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حول المسألة في تعليقه على كتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع للملا علي القاري (ص215ـ 218 و 273).

ويكفي أن نقول: إنه لو فتح هذا الباب لاختلط الحابل بالنابل, ولصُححت الكثير من الموضوعات والواهيات بالكشف, ولتوسعت دائرة الظنون والأوهام ودخل إلى الدين الحنيف ما ليس منه.

وأيضاً لو جوّزنا العمل بالتصحيح الكشفي، لهدمنا أصلاً من أصول الدين، ألا وهو الإسناد الذي قام به الدين، أخرج مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 15) عن عبد الله بن المبارك قال: ((الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)).

ولا يرد على هذا أنه إنما يؤخذ من المكاشفين الثقات دون سواهم؛ لأنه ما من مدَّعٍ لمثل هذه المقامات إلا وتجد أمةً من أتباعه يثقون به ويستسلمون لكلامه وأحكامه.

ولست في هذا منكراً لأصل الكشف, فلا شك أن المؤمن الصالح ينظر بنور الله, قال تعالى في الحديث القدسي: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به».

ولكن الحرص على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخائل أغلى من ذلك كله.

أخرج مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 13) عن مجاهد قال: جاء بُشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه, فقال يا ابن عباس, مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس:

«إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعب والذَّلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف».

الكلام على الحديث من جهة المتن:

ذكر الحفاظ أن من علامات الحديث الموضوع ركاكة اللفظ والمعنى والطول المفرط في الحديث.

قال ابن الصلاح في مقدمته (ص99): «وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي, فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها».

فإذا اجتمعت ركة اللفظ والمعنى كان ذلك دليلاً على وضع الحديث, وهذا مما لم يختلف فيه الحفاظ, وإنما منعوا ذلك في ركة اللفظ وحدها, لاحتمال أن يكون الراوي قد روى الحديث بالمعنى فبدل اللفظ الفصيح بلفظه الركيك.

من هنا نقول: إن حديث أولية النور المحمدي هو مما اجتمع فيه الأمران, فهو دليل على وضعه, وبيان ذلك فيما يلي:

أما ركة الألفاظ, فقد ورد في نص الحديث ألفاظ واصطلاحات صوفية متأخرة لم تكن مستعملة عند السلف, فلا يصدر مثلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كمقام القرب, ومقام الحب, ونتاج النور, وغيرها من الألفاظ, هذا في سياق الجزء المفترى من المصنَّف, أما سياق القسطلاني في المواهب (1/ 71) فوردت فيه ألفاظ: نور أبصار المؤمنين, ونور قلوبهم, ونور أنسهم.

فهذه الألفاظ كلها اصطلاحات متأخرة ليست من ألفاظ النبوة, ولا من الكلمات التي يستعملها السلف, فوجودها في حديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم علامة واضحة على وضعه, لاسيما وقد اجتمعت معها ركة المعاني.

ومقصودي هنا الناحية التاريخية لاستعمال هذه الألفاظ, وليس المقصود الحكم عليها بحد ذاتها.

وأما من حيث المعنى فالحديث مخالف للنصوص الصحيحة:

أخرج البخاري رقم (7418) في كتاب التوحيد, باب رقم (22) عن عمران بن حصين أن وفداً من اليمن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: «جئناك لنتفقه في الدين, ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان, فقال صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شيء قبله, وكان عرشه على الماء, ثم خلق السماوات والأرض, وكتب في الذكر كل شيء».

فهذا الحديث صريح في أن أول المخلوقات الماء والعرش, والسائل هنا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول هذا الأمر ما كان؟ فلم يذكر له النبي ? النور المحمدي ولا أن الكائنات خلقت منه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير