تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 347ـ 348): «أشار بقوله: «وكان عرشه على الماء» إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل السماوات والأرض, ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء, .. وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: «أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب, فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة» فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش, أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة, أي أنه قيل له اكتب أولَ ما خُلق, وأما حديث أول ما خلق الله العقل فليس له طريق ثبت» 1هـ ملخصاً.

وللمناسبة, فإن ابن حجر لو عرف حديث النور في مصنف عبد الرزاق لأتى به ها هنا للتوفيق بينه وبين ما ذكر أو لبيان حاله.

وفي حديث النور أيضاً مخالفة للآية الكريمة, قال الله سبحانه وتعالى: «قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها, وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً, ذلك تقدير العزيز العليم» (فصلت9ـ11).

يخالف حديث النور هذه الآية في أمرين:

الأول: في سياق القسطلاني « .. ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين».

وهذا مخالف للآية الكريمة التي تصرح بأن الأرض خلقت قبل السماوات.

والثاني: تنص الآية الكريمة أن السماوات السبع خلقن من الدخان, بينما يفيد حديث النور أنها خلقت من جزء من أجزاء النور المحمدي.

ورد في سياق القسطلاني للحديث: «إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره».

فقوله «من نوره» إن فسرناه بأنه نور خلقه الله وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف ثم خلق منه نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أثبتنا بذلك مخلوقاً قبله وهذا يفوّت المقصود من الحديث عند من يتمسك به.

وإن فسرناه بأنه نور من ذات الله سبحانه وتعالى فقد أثبتنا التجزئة في ذات الله, وأن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من ربه, ولا يخفى بطلانه.

وأعود فأقول: لماذا نشغل أنفسنا بالتفسير والتأويل ونتكلف لذلك والحديث موضوع عند أهل الحديث؟

وجاء في سياق الجزء المفترى من المصنف: «وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب» ولا يخفى ما فيه من المقابلة بين الله تعالى والنور المحمدي, ولا يخفى ما فيه من التشبيه الذي يقرر علماء العقيدة بطلانه بالإجماع, فالله عز وجل «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير».

وهناك تناقض بين سياق القسطلاني وسياق هذا الجزء المفترى كما سبقت الإشارة إليه, فتتشابه الروايتان في أن النور المحمدي قُسِّم أربعة أجزاء عدة مرات, وخُلق من كل قسم مخلوق معين, وتتناقض في تحديد ما خلق من كل قسم منها وفي ترتيب هذه المخلوقات, ولست أتعب نفسي في تفصيل ذلك, بل يكفيك أن تتأمل الروايتين وتقارن بينهما فيما سبق (ص15ـ 17).

وأخيراً, الحديث مناقض لما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني نفسه في تفسيره (1/ 301) عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: «وكان عرشه على الماء» , قال: «هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء والأرض».

الخاتمة

يتبين لنا مما سبق أن الحديث موضوع باتفاق أهل الحديث, وأنه لا وجود له في شيء من كتب عبد الرزاق الصنعاني, وأن الجزء المفقود المدعى من المصنف موضوع عليه بالأدلة القاطعة.

ولو أننا نقتصر على ما ثبت في الكتاب والسنة في معرفة فضائله صلى الله عليه وسلم، لأغنانا ذلك عن الاستشهاد بالموضوعات والمناكير.

أخرج الإمام أحمد رقم (20596) والحاكم (2/ 608ـ 609) عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله, متى كُتبتَ نبياً؟ فقال ?: «وآدم بين الروح والجسد» صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وأخرج الترمذي رقم (3613) والحاكم (2/ 609) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله, متى وجبت لك النبوة؟ فقال ?: «وآدم بين الروح والجسد» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

لفظ الحاكم «بين خلق آدم ونفخ الروح فيه».

وأخرج الإمام أحمد رقم (17150) والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 68ـ69) وابن حبان في صحيحه رقم (6404) عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله ? يقول: «إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته, وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم , وبشارة عيسى, ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام».

وأما حديث: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث».

فأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 45) وابن أبي حاتم في تفسيره رقم (17594) من طريق سعيد بن بشير حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ? في قوله تعالى: «وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم» قال: «كنتُ أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث».

قال ابن كثير في تفسيره (6/ 2785): «سعيد بن بشير فيه ضعف, وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً, وهو أشبه, ورواه بعضهم عن قتادة موقوفاً».

فهذه الأحاديث تغنينا عن التمسك بحديث جابر الموضوع عليه, ولكنها لا تفيد أولية خلق النور المحمدي على المخلوقات, والأخير منها ـ على ضعفه ـ لا يفيد سوى أولية خلقه صلى الله عليه وسلم على الأنبياء والمرسلين.

هذا آخر ما يسر الله عز وجل وفتح في بيان حال هذا الجزء المفترى من المصنف وفي بيان وضع حديث أولية النور المحمدي, نسأل الله أن يهدي قلوبنا وأن يشرح صدورنا للحق, وأن يتقبل منا صالح العمل, ويجنبنا الخطأ والزلل وأن يجري النفع بما كتبته إن سبحانه سميع مجيب.

كتبه الفقير إلى رحمة ربه

عمر بن الشيخ موفق النشوقاتي

غفر الله له وللمسلمين

ليلة الجمعة 18 محرم الحرام 1427هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير