تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مِن وَضْعِ الجزء المفقود مِن مصنف عبد الرزاق

منذ زمن بعيد وأنا أبحث عن القسم المفقود من مصنف عبد الرزاق لأزداد يقيناً بأن حديث جابر: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) المنسوب إلى مصنف عبد الرزاق حديث مكذوب، بغض النظر عن بحثِ أوليةِ الخلق، ونورانية النبي صلى الله عليه وسلم، إذ البحث هنا في حديث جابر المنسوب إلى عبد الرزاق. وكان من جملة المهتمين الولعين بالبحث عن الجزء المفقود هو الدكتور الشيخ عيسى المانع الحميري الإماراتي، الذي دأب على البحث والتنقيب عن المخطوطات واقتنائها، وبذل الغالي والنفيس فيها، وكان كلما جاءه عالم متخصص في الحديث بل وغير متخصص يسأله ويوصيه إن حصل المخطوط أن يخبره، وبقي البحث سنوات عديدة، وسافرت عدة بلدان للبحث عن المخطوطات بشكل عام، وعن القسم المفقود من مصنف عبد الرزاق بشكل خاص.

وفي يوم من الأيام اتصل بي الشيخ عيسى المانع وكاد يطير فرحاً وسروراً، فقال لي: وجدنا القسم المفقود من مصنف عبد الرزاق. فقلت مستغرباً: كيف وأين ومتى؟ قال: تعال إلي لتنظر بعينيك.

سمعت هذا الخبر المفزِع المفرِح، المصدَّق المستغرَب، فأنا بين مُنكِرٍ له ومُصدِّق، وفَرِحٍ ومُتعجب، فهرعت إليه لأرى هذا الكنز الثمين، فشددت الرحال إلى بيتِ الدكتور عيسى، وأَخرج إلي المخطوط الأصلي من الكتاب، فكانت أول صاعقة مستنكرة على رأسي: كيف يُفرّط صاحبُ المخطوط بالنسخة الأصلية؟!! فتحت المخطوط وإذا الخط مكتوب بالحبر الأسود الحديث، فتلقيت صفعة أخرى، فلون الحبر ظاهر في الحداثة، ولا يظهر عليه القِدم، وازددت شكاً في المخطوط عندما رأيت أنّ الحبر قد فشا وانتشر في عروق الورق خلال الكتابة، وهو أمر مرفوض في عالم المخطوطات، لأن الحبر القديم ثابت في مكانه عندما يكتب على الورق، وزاد الطين بلة عندما تأمّلت الورق فوجدته حديث الصنع، عندما وُضع عليه الحبر الحديث انتشر في أصول الورق وانطبع عليه وظهر على الورقة مِن الخلف، وهذه طامّة أُخرى، عِلماً بأني لستُ خبير حبر ولا ورق، لكني حسب اطلاعي على المخطوطات الأصلية استنكرت هذه الأمور.

بدأتُ أقرأُ في المخطوط فرأيتُ فيه أحاديث غريبة ومنكرة وموضوعة بأسانيد ذهبية مشرقة كالشمس، لو رآها يحيى بن معين لأقسم بالله الأيمان المغلظة بأنّ الكتاب مكذوب على شيخه عبد الرزاق، بل وغزا بسيفه ورمحه من وضعه واختلقه. فازددت يقيناً واستنكاراً للنسخة، وهكذا أكون قد تلقيت عدة صفعات في جلسة واحدة. وبصراحة انطفأت شمعة فرحي، وانقلبت بهجتي إلى خيبة أمل.

بعد هذه النظرة العابرة والأدلة التي اقتنعت بها، قلت للدكتور عيسى: هذا المخطوط مكذوب مزور مختلق.

فأنكر علي الشيخ عيسى ووصفني بأني متسرع. فقلت له جميع ما تقدم وشرحت له الأدلة، فقال: فلان وفلان من أهل العلم لم يقل ما تقوله أنت. وهم أهل خبرة في المخطوطات، ومتخصصون في الحديث الشريف. فقلت: مع احترامي لهؤلاء العلماء والمتخصصين، كلامهم غير صحيح.

ولما أنكر ذلك عليّ قلت له: يوجد خبراء يعرفون تاريخ الورق والحبر بالدقة، وعندهم أجهزة وخبرة، تكشف المخطوط المزور من غيره، فليتك ترسل المخطوط إليهم، وتأخذ النتيجة، وسيظهر لك إن شاء الله بأنّ المخطوط مزور ومكذوب. فقال لي: يا أخي الذين أَتَوْا بالمخطوط ناسٌ ثقات أتقياء ورعون، ولا يمكن أن يكذبوا على الرسول ?. فقلت: أنا لا أتهم أحداً وإنما أمامي أدلة وبراهين، فأنا أقول: هذا المخطوط مزور مكذوب مختلق، ولا أتهم أحداً بعينه. ثم قلت له: آخر المخطوط كتب الناسخ بأنه نسخه من نسخة أخرى فأين هذه النسخة؟ اطلبها ممن أتى بالمخطوط.

ودار حوار طويل وجدل واسع، وارتفعت الأصوات، بحثاً عن الحق أو الحقيقة، (وكلنا مأجورون إن شاء الله) وأراد الشيخ عيسى تدعيم موقفه في صحة المخطوط فقال: إليك دليلاً على صحة نسبة المخطوط. قلت: هات. قال: في المخطوط روى عبد الرزاق حديثاً طويلاً، بحثتُ عنه فوجدته في كتاب من تأليف الشيخ محي الدين بن عربي، وبعد مقابلة حديث عبد الرزاق بحديث ابن عربي تبين أنه موافق له بحروفه. فقلت: هذا دليل على اختلاق المخطوط. قال: كيف؟ قلت: لأن الوضاع الذي اختلق المخطوط نقل الأحاديث من عدة كتب، منها كتاب ابن عربي، نقله بحروفه، والاتفاق بألفاظ الأحاديث الطويلة يكاد يكون معدوماً في كتب السنة حتى في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير