تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هذا كذب صراح، ودونكم التحقيق المزعوم، فلن تجدوا أي ذكر -فضلا عن تبيين! - لبلاد ما وراء النهر مطلقاً، وإنما أطلق هذه الكذبة تمهيداً لما سيأتي من زعم أن نسخته المكذوبة منسوخة من بلاد ما وراء النهر، وتأتي مناقشة هذه الكذبة الأخرى، على أن الحميري لم يستطع الثبوت على كذبة واحدة، فحيناً يقول في إغلاقه إن النسخة جاءته من بلاد الأفغان، وحينا من بلاد ما وراء النهر (وهي تركستان الغربية، أو ما يعرف الآن بالجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى)!

وقال: [أولاً: زعمه أن المخطوط مزور من حيث خطه، فخطه ليس من كتابات القرن العاشر بل خطه من جنس خطوط الطبعات الحجرية في القرن الماضي في الهند. جوابه أخي القارئ: ما صرحنا به في المقدمة من ترجيحنا لكون المخطوط منقولاً عن الأصل الذي كتب في القرن العاشر].

قلت: هذا كذب صريح، واستخفاف بعقول القراء، فكأنه يظن أن مقدمته ليست بين أيدي الناس ومن يرد عليه ليراجعوها! فأتحدى من يراجع مقدمته أن يجد إشارة صغيرة -فضلا عن تصريح! - أن مخطوطه منقول عن مخطوط آخر، وسيأتي مزيد بيان حول هذه الكذبة الصلعاء، وسببُها سببُ ما قبلها.

وقال الحميري: [ثم سألت الثقات من أهل العلم والفضل والخبرة من البلاد التي وردتنا منها المخطوطة عن نوعية ورق المخطوط؟ فأخبروني بأن هذا الورق قد فقد منذ حوالي ثلاثمائة سنة على الأقل، وأخبروني بأن المخطوط الذي بين يدي منقول عن أصل قديم، فطلبت الوصول إلى الأصل والحصول عليه أو على صورة منه، فعلمت أن الأصل فقد في الحروب التي وقعت ببلاد الأفغان أخيرًا]

قلت: ولنا هنا أكثر من وقفة، وتجاوزاً لتوثيقه غير المعتبر أقول: هذا الكلام كذب وحماقة معاً، أما الكذب فقد كشفه الشيخ أديب الكمداني حين بيّن أن من جلب المخطوط لم يخبر أنه مأخوذ من أصل آخر، وهو -أعني الشيخ أديب- الذي افترض أن المخطوط لا بد أن يكون مأخوذاً عن أصل آخر؛ نظراً لحداثة ورقه وخطه الذي يتعارض مع تاريخ كتابته المزعوم من خمسمائة سنة، وطلب من الحميري أن يطالب بالأصل، فلما طالب (بعد مدة) أراد البريلوي جالب النسخة أن يقطع الطريق بأن الأصل احترق مأسوفاً عليه في الحرب (على ما نقل عنه الحميري)، ولم يكن الحميري يعلم من ذلك الأصل شيئا. وكل هذا مذكور في بيان الشيخ الكمداني.

ثم دارت الأيام فصار البريلوي مُعلماً للحميري، وصار الحميري عالماً بالأمر منذ البداية، وأنه بعد العلم به طلب الأصل، وكله كذب في كذب!

والعجيب أن بيان الكمداني احتج به الحميري في إغلاقه على عدم تكذيبه في أمر، فكذّبه في هذا!!

أما الكذب والحماقة معاً فهي في حكاية النسخ من أصل آخر، فما دام جالب النسخة الثقة الأمين (عند الحميري) وكذا الحميري؛ يعتقدان أن عمر المخطوط لا يقل عن ثلاثمائة سنة، فما يدريهما أنه نُسخ عن الأصل الفلاني تحديداً؟ ومن أين لهما هذا؟ هل كُتب على المخطوط أنه نُسخ عن نسخة كذا منذ ثلاثمائة أو خمسمائة سنة؟ أم أخبرهما أحد من عُمِّر هذه السنوات (!) أنه شهد النسخ منه؟ أم هما اللذان شهدا ذلك؟ أم ماذا؟ إن هذا إلا تخرص، بل اختلاق!

ثم ما شأن حرب أفغانستان لأن تتلف النسخة في مكان آخر من العالم في بلاد ما وراء النهر التي كانت وقتها تحت حكم الروس؟ فهل أطلق الروس صاروخا من أفغانستان جنوبا على بلادهم شمالا لتدمير النسخة فقط؟ فإن حصل فمن الذي أخبر الحميري بذلك؟ هل هم الروس الذين حرقوا النسخة؟ أم الاستخبارات الأجنبية التي تجسست على الروس وشاهدت اتجاه الصاروخ وحسبت إحداثيات الإطلاق والمدى والهدف والنتيجة؟ أم أحد الأعاجم في بلاد ما وراء النهر كان بجانب المخطوط المدعى ونجا من الغارة بنفسه، واتصل بالحميري ومعه مترجم ليخبره بذلك؟ فيُقال للحميري مجدداً: من أين لك هذا العلم؟ ألم تُعمل عقلك ولو قليلا في الأمر أم أنك ما صدقت أن وجدت الفَرَج من ورطتك بحبل الكذب القصير؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير