ومِن عَكْس الحقائق عند الحميري الجاهل قوله إن إدراج الذهبي وابن حجر لابن عربي في الضعفاء تغرير منهما! وقال: [وقد انتقد الإمام السبكي ذلك عليهما وتابعه شيخنا العلامة خاتمة المحدثين سيدي عبد العزيز بن الصديق في كتابه السوانح (خ ل495 ب)، وعلاوة على ذلك فسترى أخي القارئ خلاصة رأي الذهبي وابن حجر من خلال كتابيهما المذكورين وغيرهما من الكتب].
قلت: كذا جعل الحميريُّ السبكيَّ متعقبا عليهما -أي الذهبي وابن حجر- وفات هذا الجاهل أن السبكي مات قبل ولادة ابن حجر، فكيف يتعقبه؟ إلا إن بُعث بعد موته بدهر وردّ عليه!
ثم يُقال للحميري: أين تعقبُّ السبكي المزعوم؟ وما نصٌّه؟ ولماذا لم تُحل على مصدر كما هو المعهود عند أهل العلم؟ على أن المعروف الثابت عن السبكي كلامه الشديد في ابن عربي، ونقله عنه التقي الفاسي في العقد الثمين -وهو الكتاب الذي أحال عليه الحميري في عين مبحثنا هذا! - فقال التقي السبكي: "ومَن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين، كابن العربي وأتباعه، فهُم ضُلّال جُهّال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلاً عن العلماء". (العقد الثمين 2/ 187)
وهذا ما نقله البرهان البقاعي في كتابه تنبيه الغبي (152) قال: "قال شيخنا العلامة محمد بن محمد بن علي بن يوسف، ويعرف بابن الجزري الشافعي، في جواب أجاب فيه بكفره -كما حكاه عنه ابن الأهدل-: ولقد حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الذي لم تر عيناي مثلُه عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير من لفظه غير مرة، حدثني شيخ الإسلام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبدالكافي السبكي، حدثنا الشيخ العلامة شيخ الشيوخ قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد -القائل في آخر عمره: لي أربعون سنة ما تكلمت بكلمة إلا أعددتُ لها جوابا بين يدي الله تعالى- قال: سألت شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبدالعزيز بن عبد السلام الدمشقي عن ابن عربي، فقال: شيخ سوء كذاب، يقول بِقَدم العالم، ولا يحرِّم فرجا".
قلت: ثم هب أن السبكي تعقبهما (!) فهو على علمه دون رتبة الحافظين الذهبي وابن حجر -رحم الله الجميع- في معرفة الحديث والرجال والاستقراء والتخصص فيهما، ويُفترض أن يكون الأمر كذلك عند من يكون دكتوراً في الحديث! ولا سيما مع ما قاله أحمد الغماري -المقدس عند الحميري وصاحبه ممدوح- في در الغمام الرقيق (ص227) (1)! وحتى لو كان السبكي فوقهما رتبة فالحجة والبيّنة معهما.
وأما عبد العزيز الغماري فقد علمتُ من شيخنا العلامة بوخبزة وغيره أنه غالٍ في وحدة الوجود مؤتمٌّ بابن عربي، فلا يُستغرب منه انتصاره لهواه، وهو أمرٌ معروف منه سامحه الله، ولا يؤثر انتقاد مثله -فضلا عمن هو أكبر منه- فيمن تكلم عنه الإمامان الذهبي وابن حجر بالحجة.
وأما نعت الحميري (الجاهل في الحديث) للغماري بخاتمة المحدثين فمما يزهدني في أرض أندلسٍ! وأكثر منه تزهيداً تلقيبه لصاحبه ممدوح بسماحة الشيخ!
على أن الحميري لم يسُق ألفاظ الانتقادات المزعومة ليُنظر من أي زاوية هي؟ وعلى فرض ثبوتها ثم عمومها فلا تغلب الساقيةُ البحرَ! وأما فهمُه وأمانتُه فلا يعوَّل عليهما!
وبعد ذلك جاء الحميري فكذب كذبة صلعاء وادعى أن الذهبي وابن حجر نصَّ كلاهما على توثيق ابن عربي!!! وأظهر بجانب كذبه تناقضه مع ما يورد، فإذا كان كلاهما يوثقه فلماذا يرد عليهما السبكي (!) وعبد العزيز الغماري كما زعم؟
كما أظهر جهله التام الممتزج بالتلبيس الخبيث، أما الجهل فإنه اقتص كلاماً للذهبي أنه يجوِّز أن يكون ابن عربي تاب عند الموت وخُتم له بالحسنى، وأن ابن عربي كان صاحب ذكاء وتوسع في الكلام وما أشبهه، وكلاهما ليس توثيقاً أصلاً! فضلا عن أن يكون نصًّا، مع أن دكتور الحديث (!) الحميري لو فهم ما نقل لعلم أن مقتضى التوبة عند الموت أن ما قبله من الآراء والمصنفات هي من الخطايا والرزايا التي تحتاج إلى توبة!! وكم يترجم الذهبي لأناس ينص على ذكائهم وينص على أنهم زنادقة أو ضلال، فليس كل ذكي زكيًّا!
¥