تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما التلبيس الخبيث فهو كتمانه لما رآه ويعرفه من حقيقة موقف الذهبي وابن حجر من ابن عربي، واقتطاع شيء من كلامها وحرفه عن معناه، تماما كمن يقف عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة) ولا يُكمل: (وأنتم سكارى)، أو يقرأ: (فويل للمصلين)، ولا يكمل ما بعدها: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)!

فأما الذهبي فكلامه واضح في السير وفي التاريخ، وحسبه أن ترجمه في الميزان جارحاً له في روايته وفي ديانته تصريحاً، وأدعو القارئ أن يقف بنفسه على ما سبق ويحكم، علماً أنه أسمع ترجمة ابن عربي في التاريخ إسماعاً خاصًّا كما في هامشه (ص381)، وهو إن كان جوّز في بعض كلامه -تورعاً وتحسينا للظن- أن يموت ابن عربي على التوبة من الزندقة: يصرِّح في الجميع أن كلامه كفر وضلال، والحميري وأضرابه إنما يحتجون بكلام ابن عربي، لا بخاتمته المحتملة!

ولا بأس أن أنقل شيئا من كلام الذهبي تسهيلاً على من يعسر عليه الرجوع لكتبه، وتعجيلاً لفضح كذب الحميري.

فقال الذهبي في ترجمة الزنديق علي بن أبي الحسن الحريري في التاريخ (47/ 279) بعد أن أورد إنكار الإمام الحافظ سيف الدين بن المجد عليه: "قلت: رحم الله السيف ابن المجد ورضي عنه، فكيف لو رأى كلام الشيخ ابن العربي الذي هو محض الكفر والزندقة؟ لقال إن هذا الرجل المنتظر! ولكن كان ابن العربي منقبضاً عن الناس، وإنما يجتمع به آحاد الاتحادية، ولا يصرِّح بأمره لكل أحد، ولم تشتهر كتبه إلا بعد موته بمدة، ولهذا تمادى أمره.

فلما كان على رأس السبعمائة جدد الله لهذه الأمة دينها بهتكه وفضيحته، ودار بين العلماء كتابه الفصوص، وقد حط عليه الشيخ القدوة الصالح إبراهيم بن معضاد الجعبري؛ فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية، عن التاج البرنباري، أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن العربي، فقال: كان يقول بقِدَم العالم، ولا يحرّم فرجاً.

وأنبأنا العلامة ابن دقيق العيد، أنه سمع الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول في ابن العربي: شيخٌ كذاب.

وممن حط عليه وحذّر من كلامه الشيخ القدوة الولي إبراهيم الرقي.

وممن أفتى بأن كتابه الفصوص فيه الكفر الأكبر: قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، وقاضي القضاة سعد الدين الحارثي، والعلامة ركن الدين عمر بن أبي الحرم الكتاني، وجماعة سواهم".

ومما قال الذهبي في الميزان (3/ 660): "وكذلك من أمعن النظر في فصوص الحكم أو أنعم التأمل لاح له العجب! فإن الذكي إذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر والأشياء فهو أحد رجلين: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله؛ الذين يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر! نسأل الله العفو، وأن يكتب الإيمان في قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فوالله لأن يعيش المسلم جاهلا خلف البقر لا يعرف من العلم شيئاً سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات، ويؤمن بالله وباليوم الآخر: خير له بكثير من هذا العرفان وهذه الحقائق، ولو قرأ مائة كتاب، أو عمل مائة خلوة".

وقال في تاريخ الإسلام (46/ 380) بعد أن نقل شيئا من كلام ابن عربي: "تعالى الله عما يقول علواً كبيراً، أستغفر الله، وحاكي الكفر ليس بكافرٍ"، وقال عن العز بن عبد السلام: "ولو رأى كلامه هذا لحكم بكفره، إلا أن يكون ابن العربي رجع عن هذا الكلام، وراجع دين الإسلام، فعليه من الله السلام".

وقال في ترجمة ابن سبعين في التاريخ (49/ 284): "وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة، نسأل الله السلامة في الدين! وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة ابن الفارض و ابن العربي وغيرهما، فيا حسرة على العباد! كيف لا يغضبون لله تعالى، ولا يقومون في الذب عن معبودهم تبارك اسمه وتقدست ذاته عن أن يتمزج بخلقه أو يحلّ فيهم! وتعالى الله عن أن يكون هو عين السماوات والأرض وما بينهما، فإن هذا الكلام شرٌّ من مقالة من قال بقِدَم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عَذَرني، أو هو زنديق مبطنٌ للاتحاد ويذبُّ عن الاتحادية والحلولية" .. الخ.

وقال في ترجمة محمد بن عبد القادر الصائغ في تاريخه (50/ 166): "ولازم ابن العربي محيي الدين، وكتب جملة من تصانيفه، نسأل الله السلامة! ولكن ما أظن فهم مغزاه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير