تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في ترجمة محمد بن عبد الوهاب الحراني في التاريخ (50/ 199): "قلت: ما أملح ما مثّل به شيخنا إبراهيم الرقي كلام ابن العربي وابن الفارض! قال: مثله مثل عسل أذيف فيه سمّ؛ فيستعمله الشخص ويستلذ بالعسل حلاوته، ولا يشعر بالسمّ فيسري فيه وهو لا يشعر، ولا يزال حتى يهلكه".

وقال في السير (23/ 48): "ومن أردئ تواليفه كتاب الفصوص، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر! نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله".

والحميري قد رأى بعض ذلك يقيناً، ولكنه -كما هو معهود من أهل الهوى- يمر على كلام الذهبي ويقرأه كله ويرى بأم عينيه موقفه منه، ثم يستل عبارة يُمكن له تحوير معناها وسياقها ثم يذيعها دون سواها، فهل هناك خيانة بعد ذلك؟

وأما ابن حجر فرأيُه أشدّ وأصرح من الذهبي، وقد نقل عنه أصحابه –كالحافظ التقي الفاسي- وتلاميذه –كالإمام البرهان البقاعي والحافظ السخاوي- كلاماً شديداً، فهو الذي سأل عنه شيخه البُلقيني ونقل عنه التصريح بتكفيره عيناً، بل كان ابن حجر يباهل الغلاة بابن عربي على ضلاله، وقد نقل الحافظ التقي الفاسي عن زميله ابن حجر إخباره له بأمر مباهلة أحدهم، وأن ابن حجر طلب المباهلة قائلا: "فقلت له: قُل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعنّي بلعنتك. فقال ذلك. وقلتُ أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعنّي بلعنتك، وافترقنا. ثم اجتمعنا في بعض متنزهات مصر في ليلة مقمرة، فقال لنا: مرَّ على رِجلي شيء ناعم، فانظروا! فنظرنا فقلنا: ما رأينا شيئا. قال: ثم التمس بصره فلم ير شيئاً".

وقد ذكر القصة مطولة السخاوي عن شيخه ابن حجر، وزاد بعد ذكر العمى: "وما أصبح إلا ميتا، وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وكانت المباهلة في رمضان منها، قال [يعني ابن حجر]: وكنت عند وقوع المباهلة عرَّفت من حضر أن من كان مُبطلاً في المباهلة لا تمضي عليه السنة".

وذكرها بطولها البقاعي في تنبيه الغبي (149 - 150) مع الزيادة، وقال أولها: "أختم ذلك بحكاية طالما حدثنا بها شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر قاضي القضاة أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني الأصل المصري الشافعي، ثم رأيتها منقولة عن كتاب الحافظ تقي الدين الفاسي في تكفير ابن عربي وقد أصلح شيخنا بعضها بخطه". وصرّح في مكان آخر (214 - 216) أن شيخه ابن حجر ضمن أربعين من كبار العلماء -هم أعيان وقتهم- صرّحوا بزندقة ابن عربي.

فيُقال للحميري الكذوب: أترى الحافظ ابن حجر يكفّر ابن عربي؛ ويجرؤ أن يدعو على نفسه باللعنة في مباهلة علنية إن كان ابن عربي على هدى؛ ويترك الرواية عمّن ينتحل نحلته؛ ثم تزعم أنه يوثقه؟

ثم حشر الحميري أسامي بعض العلماء الذين زعم أنهم أثنوا على ابن عربي وعظّموه -وكتم أضعافهم ممن صرَّح بالطعن فيه! - ومن كذباته أنه عدَّ منهم بعض من صرَّح بضلال ابن عربي! كالحافظ ابن مسدي القائل إن شيخه ابن عربي باطني الاعتقاد وطعن في بعض مروياته! وبغض النظر عن مسألة أمانة وفهم الحميري ودقته المعدومة في النقل: فإنه يظن أن مجرد ترجمة الرجل وذكر وصف بالذكاء أو التقدم أو العبادة يعني التوثيق، وهذا جهل عريض منه، فما أكثر الأذكياء والمقدَّمين في بعض الفنون وهم زنادقة وضلّال في الاعتقاد، وما أكثر ما يصرِّح الأئمة بهذا كالذهبي وابن كثير.

ونظراً لكون الحميري أحال في هذا المبحث على العقد الثمين فإننا ننقل منه الردّ عليه في مثل هذا التلبيس الممزوج بالجهل، وأختم به هذا البحث لوجازته وإنصافه، فقال (2/ 197 - 198): "وكثير من هذه المنكرات في كلام ابن عربي لا سبيل إلى صحة تأويلٍ فيها، فإذاً لا يستقيم اعتقادُ أنه من أولياء الله، مع اعتقاد صدور هذه الكلمات منه إلا باعتقاد ابن عربي خلاف ما صدر منه ورجوعه إلى ما يعتقده أهل الإسلام في ذلك، ولم يجئ بذلك عنه خبر؛ لأنه لا يرى ما صدر منه موجباً لذلك! ولأجل كلامه المنكر ذمّه جماعة من أعيان العلماء وقتاً بعد وقت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير