"براءة الدكتور عيسى المانع الحميري مِِن وَضْعِ الجزء المفقود مِن مصنف عبد الرزاق"
فهو إنما برّأه من تهمة الوضع المباشر، لا من كلِّ ما نُسب إليه هو وممدوح؛ كما زوّر الحميري في العنوان وكذب على القراء.
ثم إنني أدعو فعلا لقراءة بيان الشيخ الكمداني، وسيجد القارئ فيه تصريحه الواضح بأن المخطوط مزوَّر، وكشفه لملابسات إخراج الجزء، وسيجد فيه عدة نقاط تكشف كذب الحميري المتعمد في إغلاقه، وقد سبق بعض ذلك في هذا الرد.
ثم يُقال للحميري: ما دمت تُوهم القراء أن الشيخ الكمداني قد برَّأك وصاحبك ممدوح من كل ما نُسب إليكما، فما الداعي لقولك: [والذي أرجوه من أخي أديب أن لا ينجرف وراءكم بالتخبط دون تريث وتعقل، وأن يصون الود الذي بيننا]؟ إلا أن يكون الأمر كشفاً لما جاهدتَ لإخفائه من فضائح النسخة وملابسات إخراجها؟
* * *
والحق يقال: إن ثبوت كذب الحميري المتعمد لمرة واحدة كافٍ لإسقاطه وإسقاط مزاعمه في النسخة نهائيا، كيف والكذب متكرر، ولا سيما الكذب في قضية أصل النسخة بين عصابة الجالب والمحقق!
ولكن نأتي فيما يلي على بقايا إغلاقه ليكون الكاذب عبرة للناس إن شاء الله.
جهالات عريضة!
بعد مسلسل التهربات والكذبات بالجملة أحبّ الحميري أن ينوع على القراء ويتحفهم ببعض علمه المستغلق في إغلاقه، فأتى بالمُضحكات -وشر البلية ما يُضحك- وأنتقي في ما يأتي أمثلة تدل على أخواتها:
* قال الحميري: [إن الإمام المزي واضع كتاب الإكمال لرجال الستة فقط].
قلت: دكتور الحديث (!) الحميري يخلط في أشهر وأهم مراجع كتب رجال الحديث، فاسم كتاب المزي تهذيب الكمال، أما كتاب الإكمال فهو لمغلطاي، وأرجو أن لا يكون في ذهنه كتاب ابن ماكولا أو الحسيني! وبإمكانه الرجوع لباعة الكتب ليتأكد بنفسه.
لا تنسوا أنه عكف على رده قريباً من نصف سنة قبل ظهوره، مع مراجعات كثيرة لمن ينعتهم بالمختصين وأهل العلم!
* قال الحميري: [وما زال الأئمة الحفاظ يروون الأحاديث المسندة بل والمعلقة الموضوعة بدون تنبيه عليها، ويكتفون بإبراز الإسناد أو تعليقه فقط، وقد حوت كتب الحفاظ المتأخرين كأبي نعيم الأصبهاني، وأبي بكر الخطيب البغدادي بل من قبلهم كابن عدي والعقيلي والسهمي وغيرهم الكثير من المنكرات والواهيات والموضوعات].
قلت: هذا كلام لا يصدر إلا من جاهل لا يعرف كتب السنّة، فإن المتوسط ومن يقاربه من طلبة الحديث لا يخفاه أن كتابا العقيلي وابن عدي أُلِّفا خصيصاً لكشف الموضوعات، بل ما هو أقل منها من مناكير وضعاف، فكتاب العقيلي اسمه: الضعفاء الكبير، وكتاب ابن عدي اسمه: الكامل في ضعفاء الرجال، ولا بأس أن يُعلّم الحميري -حامل الدكتوراة في الحديث!! - أن العقيلي وابن عدي كلاهما يورِدان ترجمة الراوي المجروح، ويذكران من أحاديثه ما يُنكِران، وقد يُشيرا إلى أن عموم حديثه هكذا، فمجرد إيراد الحديث في كتابهما تنبيه على علته، كيف وهما يصرحان -مع ذلك- في كثير جدا من الأحاديث بضعفها ومنشأ علتها؟
هذا أمر، والأمر الآخر أن أئمة الحفاظ والنقاد -ولا سيما المتقدمين- لا تصح عليهم دعوى الحميري العامة في رواية الموضوعات مع عدم التنبيه، ومَن فعله ممن هو دونهم طبقة ومنزلة أُنكر عليه ذلك الفعل وانتُقد، وجل من عرفتُه أُنكر عليه ذلك لا تجد عنده الرواية لهذه الموضوعات مطرداً دون تنبيه، فكم في كتب الخطيب من الإعلالات المتينة، والتنبيهات على أوهام الرواة ومناكيرهم، والنقول النادرة في الأحكام على الحديث والرواة؛ يأتي بها احتجاجاً، وكذا أبونعيم ما أكثر ما ينبه على غرابة الطرق (وهذا أمرٌ لا يكلَّف فهمه مثل الحميري)، وكذا ابن الجوزي على تساهله في كتبه نجد له كتاب العلل المتناهية وكتاب الموضوعات وكتاب القُصّاص، وهكذا، مع ملاحظة أن مثل السهمي والخطيب وأبي نعيم في تواريخهم يكون قصدهم من الرواية واضحا، وهو غرض الترجمة وسياق بعض ما للراوي، ومقامه ليس عندهم مقام الاحتجاج فضلا عن النقد والتنبيه بالضرورة، ولا هذا غرضهم في سوق الرواية، ومع ذلك انتُقدوا، ولمّا انتُقدوا على إيراد الموضوعات والمناكير اعتُذر لهم بأنهم أبرؤوا عهدتهم بالإسناد، ومن أسند لك فقد أحالك، مع إقرار أن الخطأ خطأ، فجاء الحميري وعكس المقدمة والنتيجة وجعل الاعتذار هو الأصل الجار، وكتم النقد! مع اتفاق العلماء على تحريم
¥