رواية الموضوع إلا مقروناً ببيانه، كما نقل ابن حجر في النزهة وغيره.
الحاصل أن قول الحميري: ما زال الأئمة الحفاظ .. يروون الموضوعات .. ويكتفون بإبراز الإسناد أو تعليق .. وفقط: كله مزاعم غير دقيقة من الناحية العلمية، ولا يصح أن تُطلق هكذا، ولا أن يكتم أن أهل العلم انتقدوا ذلك العمل، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن من العار والشنار أن يقارِن الحميري بين تلك المناكير وتلك المرويات وبين موضوعات جزئه المزعوم المركبة من دلائل الخيرات وكتب الباطنية والرافضة، ولذلك لن يستطيع أن يأتي بها حتى عند أكثر المتساهلين توسعاً من الحفاظ، لماذا؟ لأنها لم تكن خُلقت إلا بعد وفاتهم بقرون! ووالله لو كانت هذه الأحاديث التي صححها الحميري في أيامهم لرأى كيف صدّر الحفاظ بها كتب الموضوعات، ومثّلوا بها في كتب المصطلح على وضع الزنادقة، ولكنها لم تكن قد وُضعت بعد! وأقتطف من بيان الشيخ الكمداني الذي أحال عليه الحميري! قوله عنها: [لو رآها يحيى بن معين لأقسم بالله الأيمان المغلظة بأنّ الكتاب مكذوب على شيخه عبد الرزاق، بل وغزا بسيفه ورُمحه من وضعه واختلقه]!
فظهر أن استدلاله الجاهل لا يسلم له من أي وجه! وبذلك يُجاب عن قوله: [غالب الناشرين والمحققين إن لم يكن كلهم لا يملكون أهلية النظر والحكم الصحيح على المتون من خلال الأسانيد]، فيُقال: لعمرك أما فيك فالقول صادقٌ، وأنت أدرى بنفسك، أما غيرك فلا تحكم عليه بجهلك، والخير موجود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والعلم لم يُقبض حتى تتخذ نفسك رأساً فتفتي وتحكم.
ثم اعجب له وهو يقول: [نعم الإسناد المشرق إذا انفرد به مجهول أو ضعيف أو تالف وكان متنه منكرًا ساقطًا فإن ذلك من علامات الوضع، وهذا ما لم نجده في نسختنا، ولله الحمد.]
كذا قال فاقد الأهلية في النظر على المتون والأسانيد! وإذا لم يحكم بالوضع على مصنّفه المتفرد -خمسة عشر قرناً! - بأحاديث إسنادها مشرق في الظاهر، والذي استفتح بحديث الطاوس الأعجمي لفظاً وخيالاً ومعنى، فماذا بقي ليحكم عليه الحميري بالنكارة والوضع؟ وهكذا يكون من يتكلم في غير فنّه، حتى لو حمل ورقة مقواة كتب عليها الدكتوراة! ولهذا أكرر ما قلته في ردي الأول: [ويُجاب باختصار: ليس هذا عشك فادرجي! وليس جهلة الطرقية حجة ولا حكاما على أهل الحديث، ولو تُرك الأمر على ذوقهم وحسّهم للنكارة لما بقي حديث موضوع يوافقهم إلا صححوه! وأمامنا شواهد حية على ذلك في هذا الكتاب قبل غيره].
*قال الحميري عن أحد موضوعات مصنفه: [زعم المعترض بأنها لم ترد في كتب الشمائل! فكونها لم ترد ليس دليلاً على عدم وجودها وإلا لما وجدت زيادات الثقات، ولما وجدت كتب الغرائب والفرائد في هذا الفن]. وقال أيضا: [وأما الادعاء بأن في الكتاب أسانيد مركبة مستدلاً على دعواه بقوله: (إن الجزء المعني مركب الأسانيد من طريق مالك والزهري ومعمر، وأمثالهم من أئمة الحديث، في القرون الأولى، الذي من شأن هؤلاء وأمثالهم أن يجمع حديثهم ويتسابق طلبة العلم إلى حفظها). أقول لك أخي القارئ: أن العلماء عرَّفوا الحديث الصحيح بأنه ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، ولم يشترطوا أن لا يكون فردًا مطلقًا أو نسبيًا].
قلت: لا أدري كيف يفهم دكتور الحديث (!) الحميري زيادات الثقات والغرائب والأفراد، فيذكر شيئا لم يرد في أي من كتب الرواية عبر الدهر ثم يعتبر ظهورها في القرن الخامس عشر زيادة ثقة من الأفراد الغرائب الحسان!
ويدّعي دكتور الحديث (!) الجاهل أن العلماء لم يتكلموا في ذلك! وأن ذلك لا يدخل في تعريفهم للصحيح، جاهلاً أنه داخل في مباحث الشذوذ والعلة القادحة المذكوران في التعريف!
ألم يقرأ الحميري مقدمة الإمام مسلم (1/ 7) -مثلاً- ليعلم أن زيادة الثقة لا تُقبل عمّن يُجمع حديثه من الأئمة، وجزؤه كله غرائب لا تُعرف عن هؤلاء الأئمة، مثل الزهري -الذي مثّل به مسلم- ومالك، ومعمر، فضلا عن الإمام عبد الرزاق؟! ولو كان الحميري يفهم الحديث لعلم أن جزءه باطل بمجرد ذلك! ولكن إلى الله المشتكى من هذا الجاهل المجادل!
¥