قلت: ما شاء الله، وهل كنا ننتظر تفضل الحميري بدراسة الإسناد حتى يتعلل بها، وهو إن تكلم فضيحة أو سكت كذلك؟ ثم عن أي خطة يتكلم؟ فنحن نجده قد تخبط فيها وحكم وتكلم على كثير من الأحاديث التي خرجها من المصادر، وهذا الحديث الثاني قال في حاشيته بمنتهى الجهل: [ابن جريج حافظ ثقة، وكان يدلس، وصرّح هنا بالإخبار]؟! صرح عمّن؟ عن البراء بن عازب!! ثم خرّجه تخريجاً غير علمي، وقال عقبه: [فالحديث صحيح بما تقدم]!!
كذلك في رقم (28) قول عبد الرزاق: (أخبرني الزهري) نعم لم يعلق عليه هنا، لكنه علق على مثيله (رقم 40) الذي ورد فيه: (عبد الرزاق عن الزهري)!! فقال: [هذا الإسناد فيه انقطاع بين عبد الرزاق والزهري] وخرّجه كذلك! على أن الموضع الأول أولى بالتنبيه لأن فيه إخباراً صريحا (وهو كذب) والآخر جاء بالعنعنة التي لا تقتضي الإخبار! فأين الخطة وشرط الحميري؟
أما زعمه هنا أن السقط طبيعي ومتوقع لتفرد النسخة فيُجاب عنه: يا سبحان الله! الحميري يزعم ويؤكد في مقدمة تحقيقه أن النسخة متقنة، بل قال (ص11): [تم مقابلة الجزء المخطوط بالمطبوع فتبين أن النسخة المخطوطة أضبط من النسخة المطبوعة غالباً]، وأورد عدة نماذج لذلك، وجل التصويبات موجود في طبعة أيمن الأزهري للمصنف (!!!)، وصرح (ص13) أن نسخته المخطوطة كشفت عن اضطراب في أصل المطبوع، ثم ختم (ص14) قائلا: [ولم أجد في النسخة خطأ لغويا واحداً بحسب مقابلتي للجزء الأول] ولا خطأ واحد، وفيه القطعة المزعومة!
فبعد هذا يقال إن كل هذا الإتقان المبالغ فيه هو مما اشترك مع المطبوع، وما جاءت السقوط (الطبيعية والمتوقعة!) إلا في الأربعين حديثاً الزائدة التي أفردها الحميري؟! وكأن ناسخ مخطوطه نسخ الأربعين من أصل سيء، والباقي من مطبوعة الأزهري، عفواً!! من أصل آخر متقن جداً؟
فسبحان الله! أنى اتجه الحميري يزداد معه الخرق ويعسر الترقيع!
علماً أن فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري -عضو هيئة كبار العلماء في السعودية- كشف عن أمر آخر، وهو أنه وجد على هامش إحدى النسخ من مصنف ابن أبي شيبة زوائد من مصنف عبد الرزاق عليه، وفيها أحاديث من الطهارة ليست في المطبوع من مصنف عبد الرزاق، فهي من القدر (الحقيقي) الساقط منه، لكنها ليست في أبواب الطهارة المزعومة في مصنف الحميري الذي ادعى تكميل الأبواب مع إتقان نسخته! فكونها لم توجد في تكميله دليل آخر على تزوير كتاب الطهارة في نسخة الحميري، أي المخطوط عموماً، إلا أن يقول إن كل ذلك سقط في الجزء المكمل فقط، وأما الباقي الموافق للمطبوع فجيد!!
وأقول أيضاً: هب أنه حصلت سقوط من الناسخ في بداية نسخ الكتاب ثم استقام أمرُه مع بداية المطبوع (!) فماذا يقول الحميري عن الحديث رقم (30) من رواية الزهري عن سفيان بن عيينة (من أصغر تلاميذ الزهري سنًّا!) عن يزيد الرقاشي (والزهري من طبقة قبله!) عن أنس (شيخ الزهري)! فهل يمكن التعلل هنا بالسقط؟ أم إنه تركيب الأسانيد؟
وحول موضوع التركيب أقول عما ناقشني فيه الحميري: لن يمنعني كذبه وتهربه وجهله وتدليسه في سائر إغلاقه من الاعتراف بصوابه ولو ندر، فقد أصاب في ثلاث مسائل، وهي مسألة رواية معمر عن ابن جريج، ورواية سالم عن أبي هريرة، ورواية معمر عن ليث، وأستغفر الله من الخطأ، وسأصلحه في طبعة الكتاب إن شاء الله.
ومع خبرتي بقلة إنصاف أهل الهوى؛ وأنهم ربما طاروا بهذه الجزئيات متجاهلين عشرات الأخطاء والخطيئات الجليّة عندهم، إلا إنني لن أستنكف عن الرجوع للحق، علماً أن هذه الجزئيات لم تؤثر على أصل احتجاجي على وجود التركيبات، فلا تزال بقية إيراداتي عليه قائمة ثابتة.
وأما رواية معمر عن سالم فقد أخطأ في تعقبه عليّ، فما نقله عن التمهيد لابن عبد البر (11/ 111) من ورودها فيه هو حجة عليه لا له، لأن ابن عبد البر تكلم أن معمراً روى حديثا عن الزهري عن سالم، ثم لما أسنده سقط في المطبوع ذكر الزهري فصار كأنه عن معمر مباشرة، على أن ابن عبد البر نص أن هذه الرواية خطأ على معمر، فحتى لو لم يكن هناك سقط فلا تثبت عن معمر، فبقيت الرواية لا تُعرف إلا في جزء الحميري! وهذا الحميري نفسه يقول إنها منقطعة!
¥