تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلا أن البخاري رحمه الله كان ربما استعمل هذه الكلمة، من غير أن يريد إثبات حقيقتها؛ فقد يقول البخاري في أول ترجمة الراوي (سمع فلاناً)، وهو لا يريد إثبات السماع، وإنما يريد أن يذكر معنى أو مقتضى ظاهر بعض روايات ذلك المترجَم، فإن في ظاهرها إثبات سماعه؛ ولكن البخاري يعود بعد ذلك فيصرح بعدم صحة ذلك السماع، أو يشير إلى ذلك – أعني عدم السماع – إشارة فقط؛ وإشارات البخاري لها معان خطيرة وكثيرة، فلا بد من استقرائها ومعرفة مراداته بها.

وأيضاً كان من إشارات البخاري اللطيفة في (تاريخه الكبير) و (تاريخه الأوسط) أنه إذا أراد أن يبين عدم سماع راو من بعض من روى عنهم أو أن يبين شكه في صحة ذلك السماع وتوقفه في إثباته: أن يقول في ترجمته: (عن فلان) ويسمي ذلك الشيخ، ثم يقول: (سمع فلاناً) ويسمي شيخاً أو شيوخاً آخرين ثبت سماع ذلك الراوي منهم.

روى عنه أهل بلده:

قد يذكر ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل) الرجلَ ولا يستحضر عمن روى، ولا من روى عنه، أو يستحضر أحدهما دون الآخر، فيدع لما لا يستحضره بياضاً فيكتب: (روى عن --- روى عنه ---)، ويكثر ذلك في الأسماء التي ذكرها البخاري ولم ينص، وعادة ابن حبان في الثقات أن لا يدع بياضاً ولكن يقول: (يروي المراسيل، روى عنه أهل بلده)، كأنه اطلع على ذلك أو بنى على أن البخاري إنما لم يذكر عمن يروي الرجل لأنه لم يرو عن رجل معين، وإنما أرسل، وأن الغالب أنه إذا كان الرجل ممن يُروَى عنه فلا بد أن يروي عنه بعض أهل بلده.

وطريقة ابن أبي حاتم أحوط كما لا يخفى.

قاله المعلمي رحمه الله.

روى عنه فلان:

يقال في هذه العبارة ما تقدم قوله في (روى عن)، فلا يلزم من هذه ولا تلك الاتصال وعدم الواسطة.

وممن كان يستعمل في ترجمة الرجل الواحد عندما يذكر من رووا عنه أحياناً (سمع منه فلان) وأحياناً (روى عنه فلان) والتفريق مقصود له هو الإمام البخاري في (تواريخه)؛ وكان من عادته فيها أن لا يستعمل (سمع منه فلان) إلا في ما تحققه من السماع أو وجده راجحأ على عدمه، وهذا ما تقتضيه هذه العبارة وليس له ولا لغيره استعمالها في أوسع من هذا المعنى كما هو واضح؛ وذلك باستثناء ما تقدم التنبيه عليه من صنيع الإمام البخاري في (روى عن فلان).

وكذلك كان البخاري رحمه الله ربما يأتي أحياناً بكلمة (روى عنه فلان) في المواضع التي اشتهر فيها سماع ذلك المحدث من شيخه، بحيث لا يكاد يكون في قوله (سمع منه فلان) زيادة في الفائدة على قوله (روى عنه فلان)، لأن سماع ذلك المحدث عن ذلك الشيخ مما لا يخفى على أهل العلم وطلابه ولا شك لهم فيه.

رواه جماعة ثقات حفاظ:

إن قول المحدث (رواه جماعة ثقات حفاظ)، ثم يعدُّهم لا يقتضي أن يكون كل من ذكره فيهم بحيثُ لو سئل عنه ذاك المحدث وحده لقال: (ثقة حافظ)؛ ونحو هذا قول المحدث (شيوخي كلهم ثقات) وقوله (شيوخ فلان كلهم ثقات)، فلا يلزم من هذا أن يكون كل واحد من أولئك الشيوخ يستحق أن يقال له بمفرده على الإطلاق: (هو ثقة)؛ وإنما ذكروا الرجل في جملة من أطلقوا عليهم (ثقات)، فاللازم أنه ثقة في الجملة، أي له حظ من الثقة.

وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء وإنما اللازم أن له حظاً من الضعف، كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء كثيراً من الثقات الذين تُكلم فيهم أيسر كلام.

رواية:

لكلمة رواية في استعمال المحدثين معان:

المعنى الأول: الحديث نفسه، ومنه قولهم (روايات فلان) أي أحاديثه، وقولهم (أهل الرواية) أي أهل الحديث، وقولهم (علم الرواية) أي علم الحديث.

والثاني: الواحدة من طرق الحديث الذي تتعدد طرقه.

والثالثة: الإشارة إلى رفع الحديث، انظر (يبلغ به)؛ وهنا يضبط آخرها بالفتح والتنوين، على الأغلب.

روينا:

تضبط هذه اللفظة عند الأكثر هكذا (رَوَيْنا) بفتح أوليْها مع تخفيف الواو، مِن (روى) إذا نقل عن غيره؛ وقال جمع: الاجود ضم الراء وكسر الواو مشددة فتكون هكذا (رُوِّينا)، أي روى لنا مشايخنا، أي نقلوا لنا. وأما استعمال المحدث لضمير جماعة المتكلمين في هذه الكلمة دون ضمير المتكلم المفرد، فوجهه أن العرب من عادتها أنها تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجمع ليكون اثبت وأوكد، وثمَّ احتمال آخر، وهو التعبير عن حقيقة الواقع فإن ذلك المحدث قد شاركه غيره من أهل بلده أو عصره في تحمل هذا الحديث فيؤْثر هذه الصيغة على غيرها ولا سيما إذا قصد مع ذلك التواضع والتجرد من الدعوى ومن إيهام التفرد بذلك الحديث.

وقيل إن النون لاظهار نعمة التلبس بالعلم المتأكد تعظيم أهله امتثالاً لقوله تعالى (وأمّا بنعمة ربك فحدث)، مع الأمن من الإعجاب ونحوه، وإلا كان مذموماً.

قلت: وهذا القول ضعيف.

رياح:

إذا وصف الراوي أو أحاديثه بأنها رياح أو أنها كالريح فالمراد توهيتُها وتوهينُها وإسقاطها وعدم ثبوتها أمام النقد.


(1) بل قيل إن الإمام مسلم كان ربما يأتي بالحديث المعلل ويضعه في أواخر بابه بعد الأحاديث الثابتة، ليشير بمخالفته لها إلى ضعفه؛ وهو مذهب قوي حققه بعض أهل التحقيق من المعاصرين؛ وقد يأتي مسلم بمثل هذا الحديث لفائدتين:
الأولى: أن يكون شاهداً لأحاديث الباب – أو لبعضها – في الجملة؛ أعني بالقدر المشترك بينهما.
الثانية: بيان شذوذه أو نكارته، وذلك في القدر المخالف منه، أو الذي تفرد به راو لا يحتمل ذلك التفرد من مثله.
"
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير