قال الشيخ الألباني – حفظه الله - () عقبه: (باطل وهراء لا يلتفت اليه, لأن تصحيح الأحاديث عن طريق الكشف بدعة صةفية مقيتة, والاعتماد عليها يؤدى الى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها كهذا الحديث, لأن أحسن أحواله – ان صح أن يكون كالرأى وهو يخطيء ويصيب, وهذا ان لم يداخله الهوى. نسأل الله السلامة منه ومن كل ما لا يرضيه) (). وكذلك يؤدى الى تضعيف أحاديث صحيحة فيحل الحرام ويحرم الحلال.
والحديث المشار اليه مروى عن: (ابن عمر) و (أبي هريرة) و (جابر) و (ابن عباس) و (عمر بن الخطاب) و (أنس) و (جواب بن عبيد الله) خرجها الحافظ بن حجر () , والشيخ الألباني (). وخلاصة القول فيه: أن مجموع طرق هذا الحديثعن الصحابةالمشار اليهم تسع طرق, في خمس منها اما كذاب أو متهم به, وفي ثلاثة أخرى من وصف بكونه متروكاً, والطريق التاسع فيه مجهولان.
فهو ضعيف جداً.
*****************
وأما دعوى الحكم على الأحاديث برؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام:
فقد روى الامام مسلم () – رحمه الله – عن أبي مسهر قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث. قال علي: فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان, فما عرف منها الا شيئا يسيراً خمسة أو ستة).
فلا عبرة بمثل هذا المنام في الحكم على الأحدايث عند أهل العلم, وقد حكى القاضي عياض – رحمه الله – اجماع العلماء على ذلك, قال – رحمه الله -: (هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان, لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت, ولا تثبت به سنة لم تثبت, وهذا باجماع العلماء ()).
وأبطل من هذا دعوى بعضهم مقابلته للنبي عليه الصلاة والسلام وسؤاله عن بعض أحاديثه, لأن ذلك من الكذب الذي لا يرتاب فيه المسلم, ذكر الشعراني عن أبي المواهب الشاذلي قال: قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن الحديث المشهور (اذكروا الله حتى يقولوا مجنون) وفي صحيح بن حبان () (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون).
فقال عليه الصلاة والسلام: صدق ابن حبان في روايته, وصدق راوى (اذكروا الله) فاني قلتهما معاً, مرة قلت هذا, ومرة قلت هذا) ().
*****************
وأما تقوية الحديث الضعيف – أو العكس – بالمكتشفات العلمية الحديثة:
فقد تبناها بعض المفتونين بالحضارة المعاصرة وما فيها من مكتشفات في مختلف ميادين العلم والمعرفة, فقد ذهب بعض هؤلاء المفتونين الى مقارنة نتائج المكتشفات في المادة والنبات والحيوان والفلك وغير ذلك بما جاء في النسة النبوية قس هذه الأبواب فما وافقها يقبل عندهم وان حكم المحدثون بضعفه أو وضعه, وما خالفها يرد عندهم وان كان قد سبق الحكم عليه يالصحة, يقول أحد هؤلاء: (وعلى العلماء في هذا العصر, وعلى من جاء بعدهم أن يستفيدوا من نتائج العلوم الرياضية والطبيعية, والبحث الحديث, الاستكشاف في المادة, والنبات والحيوان, ومناهج البحث العلمي في التاريخ, وسائر العلوم النقلية والأدبية, ويستعرضون أحاديث بدء الخلق, وأصل الكون, وشكله, والفلك, والطب, وسائر ما يتعلق من الأحاديث بما تناوله البحث العلمي التجريبي, فما وافق اليقيني من نتائج الفكر ومقررات العلم أخذوا به وان سبق الحكم عليه بالصحة أو الحسن, فقد نص العلماء على أنه اذا تعارض دليلان قطعيان أحدهما عقلي والآخر نقلي وجب تأويل النقلي ورد الى العقلي فما بالك بمعارضة أحاديث الآحاد – وهي ظنية الثبوت كما أنها ظنية الدلالة – للدليل العقلي القطعي) ().
ان الاعتماد على نتائج العلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما للحكم على الأحاديث لا يصلح لذلك, لأن ما يوصف بأنه حقيقة يقينية في نتائج تلك الدراسات في عصر من العصور يوصف بغير ذلك في عصر آخر, ومن ذلك ما ذكر عن الشمس فانها وصفت في عصر من العصور أنها ثابتة ساكنة, وكان ذلك من اليينيات في ذلك العصر, وبعد فترة من الزمن اكتشف العلماء أن الشمس جارية وبسرعة شديدة, وفي هذا المعنى يقول المودودي – رحمه الله -: (ان النظريات التى آمن بها هؤلاء العلماء والفلاسفة في زمن كحقائق ثابتة رفضوها في زمن آخر, واعتقدوا الحقيقة في غيرها, فلم نسمح لنفوسنا اليوم أن نبالغ في تقدير هذه النظريات وأكبارها لدرجة أن نترك القرآن الكريم ونؤمن بها ايماناً في أول تصادم لها مع آيات القرآن) ().
فكيف نسمح لآنفسنا أن ننسب لرسول الله عليه الصلاة والسلام قولاً ضعيفاً أو موضوعاً – كما قال الباحث -, أو ننفي عنه ما حكم الأئمة بصحته وثبوته, اعتماداً على تلك التقديرات, لا شك أن ذلك من أعظم الأمور وأشدها خطراً على الاسلام, وقد اعتبر الامام ابن الجوزي – رحمه الله – أن نفي ما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام, أو اثبات ما لم يثبت عنه جناية على الاسلام:, قال – رحمه الله -: (اني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن الفاظ في الصحاح لا يجوز أن يكون رسول الله عليه الصلاة والسلام قال هذا, ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال كذا, ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف, وهذا كله جناية على الاسلام) ().
¥