تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كانت العلل تدرك بالمخالفة والتفرد إلا أن ذلك متوقف على تتبع الناقد القرائن التي تنضم إليهما، وقدرته على تحديد نوعيتها التي لا تنضبط عادة بقواعد محددة، وفهمه ما تشير إليه من دقائق الأمور، مما يجعل علم العلل من أدق العلوم تطبيقا، وأصعبها معالجة. ومن هنا تبرز الأهمية لمعرفة نقطتي المخالفة والتفرد في ضوء منهج نقاد الحديث، وقد سبق أن الحكم على الأحاديث – تصحيحا أو تعليلا – لا يمكن إلا بعد معرفة هاتين النقطتين، وفهم مقتضى ما يحف بهما من القرائن. وإن كان الوقوف على تفرد الراوي ومخالفته لغيره ممكنا بالنسبة إلينا نحن المعاصرين عن طريق جمع الروايات والمقارنة بينها إلا أن معالجتهما تتوقف على قدر كبير من الفهم والخلفية العلمية الواسعة.

وبذلك يفسر قول ابن معين:’’لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه ‘‘، وقول الإمام أحمد: ’’الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا‘‘. وقول ابن المديني:’’الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه (1).

وعليه فإن مسألتي التفرد والمخالفة من أهم دلائل العلة، حين تنضم إليهما القرائن تنبه العارف بهذا الشأن أن ذلك التفرد أو المخالفة هو نتيجة خطأ ووهم من الراوي، ولذا تكون هاتان المسألتان بحاجة إلى مزيد من الشرح حتى يزول عنهما الغموض، فإنه إذا لم يعرف الباحث عناية النقاد بمعرفة تفرد الراوي ومخالفته، وأهمل تفاصيلهم فيهما، يكون قد أبعد النجعة، وبالتالي يصعب عليه الوقوف على حقيقة منهجهم في التصحيح والتضعيف، وفهم ما تضمنته مصطلحاتهم في ذلك من الأبعاد النقدية، كالتفرد والمنكر والغريب وزيادة الثقة، كما يأتي بيانها في مسألة المخالفة إن شاء الله.


(1) – نقله عنهم الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي 2/ 212.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير