تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: لقد سبق أن مجرد المخالفة بين ثقة وأوثق، أو بين واحد وجماعة لا تستدعي الشذوذ في رواية الثقة، إلا بعد أن تم ترجيح رواية الأوثق أو رواية الجماعة وفق منهج النقاد، وأما قيد المنافاة فلم يرد في نصوص المتقدمين الذين أوضحوا معنى الشاذ - لا تصريحا ولا تلميحا –.

وأما كلام الحافظ ابن ححر الذي استدل به المباركفوري على مراعاة قيد المنافاة في تعريف الشاذ ففيه النقاط التالية:

أولا: إن الأمثلة التي ساقها الحافظ ابن حجر وغيره للحديث الشاذ ليس في معظمها إلا المخالفة دون المنافاة.

ثانيا: نصوص الحافظ ابن حجر غير الأخير فيما يتعلق بالشاذ، كلها صريحة في عدم التقييد بالمنافاة، وهي المعتمدة؛ لأنها في صدد تعريف مصطلح الشاذ، وأما النص الأخير فهو فيما يتعلق بمسألة زيادة الثقة، حتى إنه أكد بقوله ’’ وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه، وهو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح ‘‘.

وأما النص الأول، وهو ’’ فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ‘‘ فليس فيه ما يدل على قيد المنافاة، إذ إن معنى قوله: ’’ بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ‘‘ أي يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة، لعدم دلالة القرائن على ذلك.

ثالثا: لو كانت المنافاة مقصودة ومتعينة في المخالفة التي يدور عليها الشاذ لخرج من الشاذ ما خالف الثقة لمن هو أرجح في وصل المرسل، أو رفع الموقوف، وذلك لعدم استكماله شرط المنافاة بينهما، ولأن الجمع فيها ممكن، وذلك خلاف الواقع.


رابعا: لو جمعنا بين الوجوه المختلفة على غير قواعد المحدثين، وقلنا بصحة جميع الوجوه المختلفة بمجرد كونها غير متنافية، لاحتمل أن يكون ذلك كذبا على الشيخ الذي اختلفوا عليه، ذلك لأنه إذا لم يكن بينها تناف لا يعني بالضرورة أن ذلك الشيخ قد ذكر الوجهين جميعا، وقد لا يكون ذكر إلا وجها واحدا.
ولكي يكون الحكم بالجمع أو بالترجيح في حالة الاختلاف بين الرواة منطقيا ومنهجيا فإنه ينبغي البحث عن القرائن والمناسبات التي تحف الروايات، وفقه دلالاتها، ومن الجدير بالذكر أن المحدثين النقاد لم يضعفوا حديث ثقة لمجرد أنه خالف فيه أوثق أو جماعة، بل بحسب الأدلة والقرائن والمرجحات، ولهذا قال الحاكم: الحجة عندنا الحفظ و الفهم والمعرفة لا غير.
يقول الحافظ ابن حجر: ’’واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريقة المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه‘‘،
’’والمنقول عن أئمة المحدثين المتقدمين كابن مهدي ويحيى القطان وأحمد وابن معين وابن المديني والبخاري وأبي زرعة و أبي حاتم والنسائي والدار قطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة، وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة، مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك‘‘ اهـ (1).
غير أن الحافظ قال: ’’وزيادة الثقة راويهما – الصحيح والحسن – مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها فهذه تقبل مطلقا … وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها فيقبل الراجح ويرد المرجوح‘‘ اهـ (2).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير