تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" الصحيح " الذي سيكون مَحَطَّ كلامنا، وكتاب " التاريخ الكبير "، و" التاريخ الأوسط "، و" التاريخ الصغير "؛ وكلها في تراجم الرواة، ليست في علم التاريخ المعروف، إنما هي في تراجم الرواة، وكتاب " الضعفاء الكبير "، وكتاب " الضعفاء الصغير "، وكتاب " القراءة خلف الإمام "، وكتاب " الأدب المفرد "، و" جزء رفع اليدين في الصلاة "، وغيرها من المؤلفات الكثيرة العديدة والتي فُقِدَ شيء كثير منها وبقي منها أهمُّها، وأهم كتابين له في الحقيقة هما: " الصحيح "، و" التاريخ الكبير "، هذه أهم كتب الإمام البخاري وكلاهما موجود مطبوع بحمد الله تعالى.

أما كتابه " الصحيح "، فنبتدئ أولًا في سبب تأليف هذا الكتاب:

يذكر الإمام البخاري أن سبب تأليفه لهذا الكتاب أنه كان في مجلس إسحاق بن رَاهُويه - إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - شيخه، فقال إسحاق: لو أن أحدكم يجمع مختصرًا في صحيح أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، يقترح هذا الشيخ على طلابه أن يجمعوا كتابًا مختصرًا في صحيح السنة النبوية.

يقول البخاري: فوقع هذا الكلام في نفسي، يعني يوم اقترح علينا إسحاق بن راهويه هذا الاقتراح قَدَح في ذِهني أن أقوم بهذا الجَمْع، وبادر بالفعل بهذا الجمع من فترة مبكرة.

وقد حاول أحد العلماء أو الباحثين المعاصرين وهو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عليه رحمة الله أن يُحدد بداية تأليف الإمام البخاري لكتابه الصحيح، اعتمد في ذلك على خبر ذكره الإمام العُقَيّلي؛ يذكر الإمام العقيلي عليه رحمة الله أن البخاري عرض كتابه " الصحيح " على ثلاثة من شيوخه وهم: الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأنهم وافقوه عليه وعلى صحة ما فيه إلا أربعة أحاديث فقط، يقول العقيلي: والصواب فيها مع البخاري، حتى هذه الأربعة أحاديث فالصواب فيها مع البخاري.

فحاول الشيخ أن يستنبط بداية التأليف من تواريخ وافيات هؤلاء العلماء؛ لأن أقدم واحد من هؤلاء - وهو يحيى بن معين - تُوفي سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين من الهجرة، ومعنى ذلك أنه لا بد من أن البخاري ابتدئ في تأليف الصحيح قبل سنة مائتين وثلاثة وثلاثين، ولنفرض مثلًا ابتدئ في التأليف سنة مائتين واثنين وثلاثين؛ هذا في أقل تقدير، فيكون عمره حينها كم سنة؟ وُلد سنة أربع وتسعين ومائة، كم يكون عمره؟ ثمانية وثلاثين سنة هذا. ماهو البداية، هذا آخر تأليفه؛ لأنه عَرَض الصحيح كاملًا، يعني انتهى من تأليف الصحيح المفترض يكون قبل تَقدِيمِه سنة مائتين واثنين وثلاثين؛ لأنه عرض الصحيح كاملًا على هؤلاء الشيوخ الثلاثة، وأولهم وفاةً هو يحيى بن معين؛ سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين، لكن نفرض أنه لعرض قبله وبعده بسنة على أقل تقدير، سنة مائتين واثنين وثلاثين، معنى ذلك أنه كان عمره ثمانية وثلاثين سنة يوم أن انتهى من تأليف الصحيح.

ويذكر البخاري نفسه أنه مكث في تأليف الصحيح ستة عشر عامًا، يعني معنى ذلك سنة كم ابتدئ في تأليفه؟ مائتين اثنين وعشرين. كم كان عمره؟ كان عمره ستة عشر سنة يوم ابتدئ بتأليف الصحيح، وانتهى وعمره ثمانية وثلاثين سنة، وهذا أيضًا دليل آخر على نبوغ هذا الإمام، وعلى مبادرته إلى التأليف من هذه الفترة المبكرة، والتأليف فيه فن وفيه وجه من وجوه التصنيف لم يُسبق إليه، فكما سيأتي إن شاء الله هو أول من ألف في الصحيح المجرد، ولذلك كانت هذه الفكرة أول من اقترحها إسحاق بن راهويه وأول من بادر في تنفيذها الإمام البخاري.

ونأخذ من هذه فائدة يا إخواني لإخواننا وأبناءنا الشباب ألا يحقر الإنسان نفسه - كما نقول دائمًا - ابن ستة عشر أو خمسة عشر أو أربعة عشر، إذا ابتدئ من هذه الفترة بتكوين نفسه وبمشروع علمي، قد يمكث عشر سنين عشرين سنة يؤلف كتابًا ينفع الأمة طوال قرونها وبقائها، فلا يستخف الإنسان بنفسه، عليه أن يكون عالي الهمة ويبادر في خدمة السنة النبوية.

المقصود أن هذه هي بداية تأليف الإمام البخاري تقريبًا في هذه الفترة وفي هذا التاريخ، في سنة تقريبًا مائتين واثنين وعشرين وكان عمره ستة عشر سنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير