تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

آحاد، والعزيز من أخبار الآحاد ولَّا من غيره؟ من الآحاد، فهو لا ينفي وجود العزيز، إنما ينفي صورة من صور الحديث التي اشترط المتكلمون ألا يقبلوا الحديث إلا طريقها، وهي أن تكون الرواية كالشهادة على الشهادة، يروي الراوي، أو يروي الحديث صحابيان وعن كل صحابيين تابعيان، وعن كل تابعي اثنان من أتباع التابعين؛ يعني إذا كان الحديث يرويه اثنان من الصحابة في الطبقة الثانية يجب أن يكونوا أربعة، في الطبقة الثالثة يحب أن يكونوا ثمانية، في الطبقة الرابعة يجب أن يكونوا ستة عشر، وهكذا إلى أن يصل إلى السامع، يقولوا: والحديث لا يكون مقبولًا إلا بهذه الصورة، طبعًا يُشترط في كل راويين أن يكونا عدلين ضابطين متقنين أيضًا فلو اختل في واحد من هذه الْمُشَجَّرة سقط العمل بهذا الحديث عندهم، يعني لو في الستة عشر ما وجدته إلا من رواية خمسة عشر سقط العمل بهذا الحديث، وهي صورة خيالية اخترعها بعض المتكلمين كالْجُبْائِي ليردوا بها السنن حتى لا يفاجئوا المسلمين بأننا نرد السنن مطلقًا، ما يستطيعوا أن يقولوا هذا، فقسموا السنن حسب أهوائهم إلى متواتر وآحاد، ثم وجدوا أن كثيرًا من المسلمين أيضًا لا يقبل منهم رد الآحاد مطلقًا، قالوا:

نقبل نوع من الآحاد، لكن بشروط، فاخترعوا هذا الشرط الذي لا وجود له حتى يُباح لهم ويُتاح لهم رد الأحاديث الآحاد كلها، وحتى المتواتر يردونه فيما لو وجد متواتر بالشروط التي ذكروها يردونه بأنهم لم يستفيدوا العلم الضروري منه؛ لأن استفادة العلم الضروري من الخبر المتواتر ليست مفترضة في كل أحد، فقد يتواتر عندك حديث لا يتواتر عندي أنا، فإذا جاء الرجل من أهل السنة يريد أن يحتج عليَّ بخبر عند السني متواتر يقول لك: إنه ما تواتر، أَيْش الرد عليه؟

لا يمكن أن نقول له: لابد أن تعلم علمًا ضروريًا مثل ما أنا علمت علمًا ضروريًا، فهو في الحقيقة تحايل إلى رد السنن، حتى المتواتر قالوا، إن يريدوا أن يحتجوا به قالوا هذا متواتر واستفدنا منه العلم الضروري، والذي لا يريدون أن يحتجوا به قالوا: هذا ليس متواتر لأننا لا نستفيد منه علمًا ضروريًا.

يقول: كونك أنت استفدت لا يلزم أن أكون قد استفدت؛ لأن هذا أمر يهجم على القلب دون شعور، فلا يمكن أن يجزم الناس بعلم، وهذا المسألة واضحة في هذا الجانب، على كل حال فابن حبان لا ينفي أو لا يشترط العزة في الحديث، وبعبارة صحيحة لا ينفي وجود العزيز، بل إنما ينفي وجود الحديث المتواتر، وقد تكلمت عن هذه المسألة في مكان آخر.

ثم تعرض بعد ذلك ابن حبان للمدلسين:

فبين أنه لا يقبل من المدلس إلا ما صرح فيه بالسماع، إلا في الحديث الذي صرح فيه بالسماع، إلا قسمًا من المدلسين وهو من لم يعرف أنه دلَّس إلا عن ثقة، من عرفناه أنه لا يدلس إلا ثقة، لكنه قال بعد أن استثنى هذا القسم يقول: وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بيَّن سماعه عن ثقة مثل نفسه.

يقول: أنا استثني من جميع المدلسين – هذا ظاهر العبارة - سفيان بن عيينة لأنه كان لا يدلس إلا الثقة، لكن يُحتمل أن ابن حبان استثنى سفيان بن عيينة ولا يلزم من ذلك أنه لا يستثني غيره، لكن استثناه لمزيد صفة فيه وهي أنه لم يكن لا يدلس إلا الثقات فقط، بل كان لا يدلس إلا كبار الثقات والمتقنين؛ لأنه يقول في العبارة: ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلَّس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بيَّن سماعه من ثقة مثل نفسه، يعني مثل درجة سفيان بن عيينة من حفظ وإتقان، لا تكاد تجد له حديث دلَّسه إلا وقد دلسه عن إمام حافظ كبير، ويؤكده بالعبارة السابقة عندما قال: أنه ما دلس فإذا كان ذلك يقول: فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ومعروف أنه تكرير مثل هذه العبارة تشير إلى أنه هذا المُسقَط والمدلَّس ليس فقط ثقة، ليس فقط مقبول بل من أعلى مراتب القبول، ما أقربه لئن يكون من الحفاظ المشهورين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير