لا يلزم من الاتفاق على الشروط اتفاق درجة أحاديث ابن حبان مع درجة أحاديث البخاري ومسلم؛ لأنه حتى لو جاء إنسان وعرف شرط البخاري ومسلم بدقة وأراد أن يخرِّج أحاديث على شرطهما، فإنه لا يلزم من فعله هذا، أو لا يعني يحصل من فعله هذا أنه سيخرج أحاديث لو أراد ذلك على مستوى ما في البخاري ومسلم بسبب أن علم البخاري ومسلم أعمق وأجل من علم من جاء بعدهما كابن حبان مثلًا، فالتأكد من وجود شروط الصحة هذا يختلف باختلاف زيادة العلم، فكلما كان الناقد أكثر علمًا وإحاطة بالرواة وإحاطة بالأسانيد، ومعرفة للعلل الخفية، ملما كان حكمه بوجود هذه الشروط أقوى وأمتن، وكلما كان علمه أقل في هذا الباب لا شك أنه سيتطرق الخلل إلى أحكامه الجزئية، ولذلك لا شك أن ابن حبان لا يصل إلى درجة البخاري ومسلم في العلم بنقد الرواة والأحاديث والعلل، وهذا ما جعل مرتبة صحيحه دون مرتبة البخاري ومسلم، نحن ألم نقل بأن مسلم دون البخاري في الصحة، ألم نقرر ذلك؟ قررنا هذا.
هل يعني ذلك أن شرط مسلم في الصحة غير شرط البخاري؟ لا، ما يلزم من ذلك.
إذًا ما هو السبب؟ أن درجة علم مسلم أقل من درجة علم البخاري، كذلك نقول في ابن حبان، اختلاف علم ابن حبان عن علم البخاري ومسلم بدرجات هذا ما أدى به إلى أوهام في صحيحه أكثر من الأوهام التي وقعت من البخاري ومسلم، ولذلك تكلم العلماء من قديم على أن ابن حبان فيه شيء من التساهل في التصحيح، وممن ذكر ذلك:
ابن الصلاح عندما ذكر الحاكم وتساهله قال: ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان البستي.
فقال: إن ابن حبان قريب من الحاكم في التساهل، لكن هذه العبارة في الحقيقة لم يرضها كثير من أهل العلم، فبينوا أو وجهوها وبينوا أن مقصود ابن الصلاح أن عنده تساهل لا يعني أن درجة تصحيح ابن حبان مثل درجة الحاكم، وقدَّموا ابن حبان على الحاكم، ومن ذلك عبارة الحازمي والحاومي طبعًا قبل ابن الصلاح، لكن قال عبارة يدلل فيها على متانة علم ابن حبان بالنسبة للحاكم حيث قال: إن ابن حبان أمتن من الحاكم: يعني أشد إتقانًا من الحاكم لعلم الحديث.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " قاعدة جليلة " يقول: ذكر ابن حبان فقال: فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدرًا.
ويقول ابن كثير: بعد ذكر ابن خزيمة وابن حبان وصحيحيهما يقول: وهما خير من المستدرك، وأنظف أسانيد ومتون.
ويقول غيرهم يعني يرجح كثير منهم العراقي، والزيلعي، والسيوطي رجحوا ابن حبان على الحاكم.
وهناك دراسة حديثة لأحد المعاصرين وهو محمد عبد الله أبو صعيليك في رسالة له بعنوان: الإمام محمد بن حبان البستي فيلسوف الجرح والتعديل، كتاب مختصر حول ابن حبان وكتابه الصحيح، قام بدراسة معينة فيقول في هذه الدراسة: إنه أحصى عدد الأحاديث المنتقدة على زوائد ابن حبان على الصحيحين، التي عددها ألفين وستمائة وسبعة وأربعين.
يقول: لِمَ اقتصرت على هذا الجانب؟ يقول: لأن ما في الصحيحين هذا صحيح ما فيه كلام، لكن نريد أن نعرف ما هو درجة تصحيح ابن حبان في الزوائد على الصحيحين؟
يقول: فوجدت حسب كلامي والدراسة –يعني العهدة عليه أنا ناقل- يقول: وجدت عدد الأحاديث المنتقدة عند ابن حبان خمسمائة وواحد وستين حديثًا منها - من هذه الأحاديث - ثلاثة وتسعون حديثًا ضعيفة لا يمكن أن تنجبر، حسب رأيي غير نافعة للتقوي، وبقية الأحاديث كلها نافعة للتقوي.
إذًا: في الحقيقة ممكن نقول الأحاديث المنتقدة فعلًا هي الثلاثة والتسعين فقط، لنقل إنها مائتين يبقى من عدد أحاديث الكتاب كَمٌّ كبير جدًا ما زاد فيه ابن حبان – نتذكر ونحن نتكلم الآن عن الزوائد فقط لكن عدد أحاديث الكتاب أكثر من سبع آلاف حديث فإذا استثنيت مائتين فقط منها كم بقي؟ عدد كبير، يعني إذا كان في البخاري ومسلم، في البخاري ومسلم مائتين حديث، وعدد أحاديث ابن حبان تكاد تكون ضعف من في البخاري ومسلم.
¥