إذن: تعرف أن عدد المنتقد على ابن حبان ليس عددًا هائلًا يكاد، يعني نسبة المنتقد على ابن حبان يكاد يساوي المنتقد على البخاري ومسلم، ومع ذلك حسب الإحصائية هذه التي ذكرها، ومع ذلك قد يكون عدد المنتقد على ابن حبان أكثر من ذلك، لكن يبقى أن الغالب على أحكامه الصواب، وأن اعتقاد أن هذه الأحكام بالتساهل تقتضي رد تصحيحه مطلقًا هذا ليس قولًا صحيحًا بل هو قول مدخول ويؤيده كل الكلام السابق، ويؤيده إمامة ابن حبان، ويؤيده كلام العلماء عن اعتماده، اعتماد توثيقه، واعتماد كلامه في الجرح والتعديل والتصحيح وغير ذلك.
مثلًا السيوطي الذي حكم عليه بأنه متساهل كان يكتفي في الرد على ابن الجوزي إذا أورد حديثًا في الموضوعات يكتفي في الرد عليه بأن يقول: أخرجه ابن حبان في صحيحه، لو كان تصحيح ابن حبان عند السيوطي لا وزن له لما عرض حكم ابن الجوزي بالوضع بمجرد إخراج ابن حبان للحديث في الصحيح، أصلًا إهدار أحكام إمام بالكلية هذا لا يصح أبدًا؛ لأننا إذا قلنا: بأن ابن حبان إمام ولا أظن أن في أحد يجرأ ليقول: ابن حبان ليس إمامًا في علم الحديث، لا أعرف أحدًا قال هذا ولا أتوقع أن يقول هذا أحد، ولو قاله لرد عليه كل الناس، فلو قال أحد: فما دام أن الجميع متفق أن ابن حبان إمام، والأصل في الإمام أن تكون غالب أحكامه صوابًا ولَّا خطأ؟
صوابًا، لأننا لو قلنا خلاف ذلك لا يصح أن يوصف بالإمام، أنا وأنتم ممكن تكون غالب أحكامنا خطأ، لكن إمام لا يوصف بالإمامة إلا إذا كانت غالب أحكامه صوابًا، وإذا كانت غالب أحكامه صوابًا، إذًا الأصل في أحكامه الاعتماد ولَّا عدم الاعتماد؟ الاعتماد؛ لأن الحكم الغالب والنادر لا حكم له، لذلك لا يصح أن تُهدر أحكام ابن حبان مطلقًا كما يتصور بعض الناس، وربما لو قلت له صححه ابن حبان لا يقبل هذا التصحيح أصلًا، نعم لا يعني ذلك كما قررنا ذلك في كلامنا عن ابن خزيمة لما قسمنا كتب الصحيح كلها على قسمين:
الصحيحان، وما سوى الصحيحين، وقلنا إن ما سوى الصحيحين تُدرك الأسانيد ويُحكم عليها بما يليق بها بشرط ألا نعترض على صاحب الصحيح بتعليل أو تضعيف مُحتَمَل كما بيناه وشرحناه فيما سبق، وحتى إذا كان في أمر محتمل التضعيف، لكني سُبِقتُ بهذا التعليل من إمام ناقد فيحق لي أيضًا أن أنتقد هذا الإمام الذي صحح هذا الحديث، فإذًا لا نكن مقلدين لابن حبان متبعين له دون بصيرة بل نكون ناظرين في أحكامه، وفي أسانيده، لكن نراعي إمامته ونقص أهليتنا عن أن نبلغ اطلاعه الكامل على السنة وأسانيدها.
آخر ما يتطرق إليَّ بخصوص ابن حبان:
عناية العلماء بكتاب ابن حبان:
1 - من أهم هذه العنايات وأشهرها كتاب الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، الذي هو مطبوع، المطبوع الآن باسم صحيح ابن حبان، أو باسم الإحسان هو هذا الكتاب الذي نذكره، فصحيح ابن حبان لم يُطبع على ترتيبه الأصلي وإنما طُبع بترتيب هذا العالِم الذي نذكره، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان للأمير علاء الدين أبي الحسن علي بن بَلَبَان، بفتح اللام، علي بن بلبان الفارسي، الذي تُوفيَ سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وقد قام بهذا العمل أيضًا – يعني: الترتيب - عدد من العلماء آخرون منهم: مغلطاي ومنهم: نصر الدين محمد بن عبد الرحمن الصالحي وغيرهم، لكن الذي طُبع هو كتاب علاء الدين بن بلبان الفارسي.
2 - من الخدمات حول كتاب ابن حبان: إكمال تهذيب الكمال لابن المُلَقِّن، وقد سبق أن ذكرناه في كلامنا عن ابن خزيمة حيث ترجم فيه لأصحاب الكتب الستة مضيفًا إليها كتبًا ستةً أخرى، وهي: مسند أحمد، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي، هذه هي الكتب الستة التي أضافها إلى الكتب الستة وترجم لرجال هذه الكتب الاثني عشر كتابًا.
3 - موارد الظمآن للهيثمي. نور الدين الهيثمي، الذي هو موارد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان، وهو مطبوع.
4 - إتحاف المهرة في الفوائد المبتكرة الذي رتَّب فيه الحافظ بن حجر كتاب ابن حبان مع كتب عشر أخرى، بل إحدى عشر على الأطراف، وقد سبق ذكره أيضًا.
من الرسائل الحديثة حول ابن حبان:
الإمام محمد بن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل لـ عَدَّاب الحمش، وهي رسالة ماجيستير لم تُطبع حتى الآن وهي في خمسة مجلدات كبار ضخام.
كتاب آراء ابن حبان في العقيدة للشيخ عبد العزيز المُبَدَّل وفقه الله.
آراء ابن حبان في مسائل الاعتقاد لأحمد بن صالح الزهراني.
كتاب منهج ابن حبان في مشكل الحديث لإبراهيم عسعس.
كتاب المجهولون ومروياتهم في صحيح ابن حبان لعبد الباسط الحموي.
كتاب الإمام محمد بن حبان فيلسوف الجرح والتعديل لمحمد عبد الله أبو صعيليك.
كتاب فقه ابن حبان للدكتور عبد المجيد محمود.
هذه أهم الدراسات التي وقفت عليها ولا أنسى رسالة شيخكم ((1) يقصد: الشيخ يحيى الشهري وفقه الله 1) الجليلة المهمة وهي زوائد رجال صحيح ابن حبان على الكتب الستة التي طُبِعَت في ست مجلدات ضخام كبار بذل فيها جهدًا مشكورًا وفقه الله تعالى وأعانه على أعماله العلمية الأخرى.
وبذلك ينتهي الكلام عن كتاب ابن حبان،
وأنتقل إلى الكتاب رقم كم؟ رقم خمسة.
¥