تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم لنفترض أنه آل بنا الأمر إلى أن نقول بأن البخاري ومسلم في مستوى واحد، وأنهم على درجة واحدة من الصحيح، هل في هذا إشكال؟ ما في إشكال، سبقنا إلى ذلك - أقل شيء - أبو علي النيسابوري عندما قال: لا أعلم كتابًا تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. فتَأَوَّل الحافظ ابن حجر عبارته بأنه قصد بأنهما بمستوى واحد، أو أن عبارته لا تدل على أكثر من كونهما بمستوى واحد، فهذا ليس قولًا جديدًا ولا مبتَدَعًا، لو قلنا به - لا أقول به – لكن لو قلتُ به فإنه وجه وهناك من قال به من أهل العلم ممن عرفوا صحيح البخاري ومسلم.

نقف أيضًا مع الرواة المبتدعة في " صحيح مسلم ":

كما وقفنا معهم في " صحيح البخاري "، فقد أخرج أيضًا لجماعة من المبتدعة وللدعاة من بعض المبتدعة مثل: شبابة بن سوار، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وهما من دعاة المرجئة، وأيضًا: عبد الله بن أبي نجيح وهو من دعاة القدر، والتَّشَيُّع مثل عدي بن ثابت.

وسنقف مع عدي بن ثابت لأن إخراج مسلم له يعطينا مثالًا صحيحًا لشرط قبول رواية الراوي المبتدع الداعية؛ لأن الإمام مسلمًا أخرج لعدي بن ثابت في ظاهره يؤيد البدعة.

وقد ذكرنا – سابقًا - أن من شرط قبول رواية المبتَدِع:

أولًا: ألا يكون مُكَفَّرًا ببدعته على التعيين.

ثانيًا: ألا يكون معانِدًا، يعني أن يكون مُتَؤَوِّلًا غير معاند.

ثالثًا: ألا يروي حديثًا منكرًا يؤيد البدعة.


الآن نذكر لكم مثالًا ينطبق عليه هذه الشروط الثلاثة بكل وضوح؛ فقد أخرج مسلم لهذا الراوي وهو عدي بن ثابت، وهو قيل عنه إنه داعية، وقيل عنه إنه من غلاة الرافضة، فهو مبتدع من الدرجة الأولى، مع ذلك أخرج له الإمام مسلم حديثًا في ظاهره يؤيد البدعة؛ لأنه أخرج له من طريق عدي عن زِرٍّ عن علي بن أبي طالب عن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعليٍّ: ?? وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ؛ إِنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ ??.
هذا الحديث في فضل علي بن أبي طالب، فظاهره أنه يؤيد البدعة، وأخرجه مسلم لراوٍ مبتدع داعية وفيه غُلُوٌّ، كما نص بعض أهل العلم؛ فما هو وجه إخراج مسلم له؟!
- أنه اختل شرط أو فقرة من شرط من شروط رد رواية المبتدع، وهو أن هذا الحديث وإن كان يؤيد البدعة لكنه ليس منكرًا، لماذا ليس منكرًا؟ هل يشك أحد أنه لا يحب عليَّ بن أبي طالب إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق؟ هل في هذا شك؟ ليس في هذا شك، بل هذا لا يخص علي بن أبي طالب؛ كل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: ?? وَاللهِ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهم إِلَّا مُنَافِقٌ ?? ((1) أول هذا الحديث: ?? الْأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ .. ??.1)، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: ?? آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ??.
فالحديث وإن كان في ظاهره يؤيد البدعة لكنه ليس فيه نكارة، فقد ثبت لعلي بن أبي طالب من الفضائل ما هو أعظم من هذا الحديث؛ لأن له خصائص اختُصَّ بها دون بقية الصحابة، أما هذا الحديث فيعمه هو والصحابة الآخرين، لذلك أخرجه الإمام مسلم وإن كان من رواية مبتدع، وإن كان في ظاهره يؤيد البدعة، وإن كان داعية للمبتدع، لكن هذا الحديث:

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير